وأما فالمراد به نفخة البعث والنشور ، واعلم أن النفخ في الصور ثلاث نفخات : النفخ في الصور
نفخة الفزع ، وهي التي يتغير بها هذا العالم ، ويفسد نظامه ، وهي المشار إليها في قوله تعالى ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) أي : من رجوع ومرد ، وقوله تعالى ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) فسر في كشافه المستثنى في هذه الآية بمن ثبت الله قلبه من الملائكة ، وهم الزمخشري جبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ، وقيل غير ذلك .
وإنما يحصل الفزع لشدة ما يقع من هول تلك النفخة ، فقد أخرج في تفسيره ، ابن جرير في المطولات ، والطبراني وأبو يعلى في مسنده ، والبيهقي في البعث ، وأبو موسى المدني في المطولات ، وعلي بن معبد في كتاب الطاعة والعصيان ، ، وعبد بن حميد وأبو الشيخ في كتاب العظمة ، عن - رضي الله عنه - قال : أبي هريرة
حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه شاخصا ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر " . قلت :
يا رسول الله وما الصور ؟ قال :
القرن ، قلت أي شيء [ ص: 162 ] هو ؟ قال :
عظيم ، إن عظم دارة فيه كعرض السماوات والأرض ، فينفخ فيه ثلاث نفخات :
الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، فيأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول انفخ نفخة الفزع ، فينفخ فيفزع أهل السماء والأرض إلا من شاء الله ، فيأمره فيمدها ، ويطيلها ، ولا يفتر ، وهي التي يقول الله تعالى : ( وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق ) فيسير الله الجبال فتمر مر السحاب فتكون سرابا ، وترتج الأرض بأهلها رجا فتكون كالسفينة الموقرة في البحر تضربها الأمواج ، وكالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الأرواح ، وهي التي يقول الله : ( يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة ) فتميل الأرض بالناس على ظهرها فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، وتشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار فتتلقاها الملائكة فتضرب وجوهها فترجع ، ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله تعالى : ( يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ) فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض ، فانصدعت من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما ثم نظروا إلى السماء ، فإذا هي كالمهل ثم انشقت ، فانتثرت نجومها ، وانخسفت شمسها وقمرها ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأموات يومئذ لا يعلمون بشيء من ذلك . قلت :
يا رسول الله من استثنى الله تعالى في قوله ( إلا من شاء الله ) ؟ قال :
أولئك الشهداء ، وإنما يتصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وآمنهم منه ، وهو عذاب يبعثه الله على شرار خلقه ، يقول الله :
( ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) فيمكثون في ذلك ما شاء الله " الحديث .
وفي البغوي عن - رضي الله عنه - قال : أبي بن كعب
ست آيات قبل يوم القيامة : بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ، وفزعت الجن إلى الإنس ، والإنس إلى الجن ، واختلطت الدواب والطير والوحش ، وماج بعضهم في بعض فذلك قوله ( وإذا الوحوش حشرت ) اختلطت ( وإذا العشار عطلت ) [ ص: 163 ] أهملت ( وإذا البحار سجرت ) قال : ابن عباس
- رضي الله عنهما - أوقدت فصارت نارا تضرم . قال
أبي : قالت الجن للإنس :
نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج ، فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى ، وانشقت السماء انشقاقة واحدة إلى السماء السابعة العليا ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم . انتهى