( ( فصل في أمر المعاد ) )
اعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30340المعاد الجسماني حق واقع وصدق صادق دل عليه النقل الصحيح ولم يمنعه العقل فوجب الإيمان به ، والتصديق بموجبه لأنه جاء في السماع الصحيح المنقول ودل عليه عند الجمهور صريح المعقول ، وهو أن يبعث الله تعالى الموتى من القبور بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيد الأرواح إليها لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) إلى غير ذلك من النصوص القرآنية القطعية والأحاديث الساطعة النبوية ، وقد أنكره الطبائعيون والدهرية والملحدة وفيه تكذيب للنقل الصريح والعقل الصحيح على ما قرره المحققون من أهل الملة .
nindex.php?page=treesubj&link=28760وأنكرت الفلاسفة المعاد الجسماني بناء على امتناع إعادة المعدوم بعينه ، ووافق
المعتزلة أهل الحق على المعاد الجسماني بناء منهم على أن المعدوم عندهم شيء فلو لم يقولوا به لأحالوه ; لأن المعدوم قبل الوجود عندهم قابل للوجود فكذلك إذا انعدم بعد الوجود ، وعند
أهل السنة المعدوم نفي محض وهم مع ذلك قائلون بجواز إعادته .
وللمتكلمين في جواز إعادة الأعراض قولان : جواز إعادتها وهو الحق لأنه تعالى على كل شيء قدير . والثاني قول الفلاسفة ومن وافقهم من
المعتزلة كأبي الحسين البصري ،
والخوارزمي ،
والكرامية قال :
( ( واجزم بأمر البعث والنشور والحشر جزما بعد نفخ الصور ) )
( ( واجزم ) ) جزم إيقان وإذعان واعتقاد وعرفان ( ( بأمر البعث ) ) بعد الموت ( ( والنشور ) ) من القبور ( ( والحشر ) ) لأجل الجزاء وفصل القضاء ( ( جزما ) ) مصدر مؤكد لقوله واجزم وذلك كله واقع ( ( بعد نفخ الصور ) ) المراد نفخة البعث وحاصل ما ذكر في هذا البيت أربعة أشياء ، البعث والنشور والحشر والنفخ في الصور ، أما البعث فالمراد به المعاد الجسماني فإنه المتبادر عند الإطلاق إذ هو الذي يجب اعتقاده ويكفر منكره ، قال الإمام المحقق
ابن القيم في كتابه الروح كشيخه وغيرهما : معاد الأبدان متفق عليه بين
[ ص: 158 ] المسلمين ،
واليهود ،
والنصارى .
وقال
الجلال الدواني هو بإجماع أهل الملل وبشهادة نصوص القرآن بحيث لا يقبل التأويل كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
وابن المنذر ،
وأبو حاتم ،
والإسماعيلي في معجمه ، والحافظ
الضياء في المختارة ،
وابن مردويه ،
والبيهقي في البعث عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال :
جاء العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته بيده فقال يا محمد ، يحيي الله هذا بعد ما أرم ؟ قال " nindex.php?page=treesubj&link=30340نعم يبعث الله هذا ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم " nindex.php?page=treesubj&link=32295فنزلت الآيات من آخر يس ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان ) إلى آخر السورة .
وهذا نص صريح في الحشر الجسماني يقلع عرق التأويل بالكلية . ولهذا قال
الإمام الرازي : الإنصاف أنه لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وبين نفي الحشر الجسماني ، فإنه قد ورد في عدة مواضع من القرآن المجيد التصريح به بحيث لا يقبل التأويل أصلا . انتهى .
وكذلك لا يمكن الجمع بين القول بقدم العالم على ما يقول الفلاسفة وبين الحشر الجسماني لأن النفوس الناطقة على هذا التقدير غير متناهية فتستدعي جميعا أبدانا غير متناهية وأمكنة غير متناهية ، وقد ثبت تناهي الأبعاد بالبرهان وباعترافهم ، والله تعالى أعلم .
و " ثم " في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم "
نعم يبعث الله هذا ثم يميتك " للترتيب الإخباري لا للترتيب الحكمي كقولهم بلغني ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب أي أخبرك أن ما صنعته أمس أعجب .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28765النشور فهو يرادف البعث في المعنى ، يقال نشر الميت ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت ، وأنشره الله أي أحياه ، ومنه قولهم يوم البعث والنشور .
وأما الحشر فهو في اللغة الجمع ، تقول حشرت الناس إذا جمعتهم ، والمراد به جمع أجزاء الإنسان بعد التفرقة ثم إحياء الأبدان بعد موتها .
واعلم أنه يجب الجزم شرعا أن الله تعالى يبعث جميع العباد ويعيدهم بعد إيجادهم بجميع أجزائهم الأصلية وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره ويسوقهم إلى محشرهم لفصل القضاء ، فإن هذا حق ثابت بالكتاب
[ ص: 159 ] والسنة وإجماع سلف الأمة مع كونه من الممكنات التي أخبر بها الشارع .
وكل ما هو كذلك فهو ثابت والإخبار عنه مطابق .
والأصل فيما لا دليل على وجوبه ولا على امتناعه الإمكان كما يقول الحكماء والمتكلمون من أن كل ما قرع سمعك من الغرائب قدره في حيز الإمكان ما لم يردك عنه قائم البرهان .
فمن زعم عدم إعادة المعدوم ألزم بالمبدأ ، فإن المعاد مثل المبدأ بل هو عينه أو أيسر كما لا يخفى .
وتقدم أن الأنبياء تأتي بما تدركه العقول أو تتحير فيه ولا تأتي بما تحيله العقول أبدا ، فتأتي بمحارات العقول لا بمحالات العقول ، وإمكان المعاد لأنه إما إيجاد ما انعدم أو جمع ما تفرق أو حيي بعد ما أميت ، وهذه كلها ممكنة لا إحالة في شيء من ذلك أصلا مع ما تواتر من أخبار الأنبياء والكتب السماوية ولا سيما
nindex.php?page=treesubj&link=30340في القرآن العظيم والذكر الحكيم ما لا مزيد عليه مثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت -
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قل بلى وربي لتبعثن -
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=16ثم إنكم يوم القيامة تبعثون -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة -
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بلى قادرين على أن نسوي بنانه -
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير -
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كما بدأكم تعودون -
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم -
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=19ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون ) والآيات في ذلك كثيرة جدا .
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30340الأحاديث فكثيرة جدا ففي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم وغيرهما ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026616سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول : " إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا " زاد في رواية - مشاة - وفي رواية فيهما قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026617يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ( nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) ) الحديث .
الغرل بضم الغين المعجمة وإسكان الراء جمع أغرل وهو الأقلف . ومثله في الصحيحين من
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026618حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت فقلت : الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : " الأمر أشد من أن يهمهم ذلك " وروي نحوه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط بسند صحيح وفيه فقالت
أم سلمة رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2006428فقلت يا رسول الله واسوأتاه ، ينظر بعضنا [ ص: 160 ] إلى بعض ؟ فقال : شغل الناس ، قلت ما شغلهم ؟ قال " نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل " .
وروي من حديث أم المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بنت زمعة رضي الله عنها أيضا ولفظه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026619يبعث الناس حفاة عراة غرلا قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان " قالت فقلت : يبصر بعضنا بعضا ؟ فقال : شغل الناس ( nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني ورواته ثقات .
( ( فَصَلٌ فِي أَمْرِ الْمَعَادِ ) )
اعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30347_30340الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ حَقٌّ وَاقِعٌ وَصِدْقٌ صَادِقٌ دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فَوَجَبَ الْإِيمَانُ بِهِ ، وَالتَّصْدِيقُ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي السَّمَاعِ الصَّحِيحِ الْمَنْقُولِ وَدَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ صَرِيحُ الْمَعْقُولِ ، وَهُوَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَوْتَى مِنَ الْقُبُورِ بِأَنْ يَجْمَعَ أَجَزَاءَهُمُ الْأَصْلِيَّةَ وَيُعِيدَ الْأَرْوَاحَ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ السَّاطِعَةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ الطَّبَائِعِيُّونَ وَالدَّهْرِيَّةُ وَالْمُلْحِدَةُ وَفِيهِ تَكْذِيبٌ لِلنَّقْلِ الصَّرِيحِ وَالْعَقْلِ الصَّحِيحِ عَلَى مَا قَرَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28760وَأَنْكَرَتِ الْفَلَاسِفَةُ الْمَعَادَ الْجُسْمَانِيَّ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ إِعَادَةِ الْمَعْدُومِ بِعَيْنِهِ ، وَوَافَقَ
الْمُعْتَزِلَةُ أَهْلَ الْحَقِّ عَلَى الْمَعَادِ الْجُسْمَانِيِّ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ فَلَوْ لَمْ يَقُولُوا بِهِ لَأَحَالُوهُ ; لِأَنَّ الْمَعْدُومَ قَبْلَ الْوُجُودِ عِنْدَهُمْ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ فَكَذَلِكَ إِذَا انْعَدَمَ بَعْدَ الْوُجُودِ ، وَعِنْدَ
أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْدُومُ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ قَائِلُونَ بِجَوَازِ إِعَادَتِهِ .
وَلِلْمُتَكَلِّمِينَ فِي جَوَازِ إِعَادَةِ الْأَعْرَاضِ قَوْلَانِ : جَوَازُ إِعَادَتِهَا وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَالثَّانِي قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ ،
وَالْخَوَارِزْمِيِّ ،
وَالْكَرَامِيَّةِ قَالَ :
( ( وَاجْزِمْ بِأَمْرِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْحَشْرِ جَزْمًا بَعْدَ نَفْخِ الصُّورِ ) )
( ( وَاجْزِمْ ) ) جَزْمَ إِيقَانٍ وَإِذْعَانٍ وَاعْتِقَادٍ وَعِرْفَانٍ ( ( بِأَمْرِ الْبَعْثِ ) ) بَعْدَ الْمَوْتِ ( ( وَالنُّشُورِ ) ) مِنَ الْقُبُورِ ( ( وَالْحَشْرِ ) ) لِأَجْلِ الْجَزَاءِ وَفَصْلِ الْقَضَاءِ ( ( جَزْمًا ) ) مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِقَوْلِهِ وَاجْزِمْ وَذَلِكَ كُلُّهُ وَاقِعٌ ( ( بَعْدَ نَفْخِ الصُّورِ ) ) الْمُرَادُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ ، الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ وَالْحَشْرُ وَالنَّفْخُ فِي الصُّورِ ، أَمَّا الْبَعْثُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعَادُ الْجُسْمَانِيُّ فَإِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِذْ هُوَ الَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَيُكَفَّرُ مُنْكِرُهُ ، قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الرُّوحُ كَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا : مَعَادُ الْأَبْدَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ
[ ص: 158 ] الْمُسْلِمِينَ ،
وَالْيَهُودِ ،
وَالنَّصَارَى .
وَقَالَ
الْجَلَالُ الدَّوَّانِيُّ هُوَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَبِشَهَادَةِ نُصُوصِ الْقُرْآنِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) .
وَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
وَأَبُو حَاتِمٍ ،
وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ، وَالْحَافِظُ
الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ ،
وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ،
وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ :
جَاءَ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ، يُحْيِي اللَّهُ هَذَا بَعْدَ مَا أَرَمَّ ؟ قَالَ " nindex.php?page=treesubj&link=30340نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا ثُمَّ يُمِيتُكَ ثُمَّ يُحَيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ " nindex.php?page=treesubj&link=32295فَنَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ يس ( nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ .
وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ يَقْلَعُ عِرْقَ التَّأْوِيلِ بِالْكُلِّيَّةِ . وَلِهَذَا قَالَ
الْإِمَامُ الرَّازِيُّ : الْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ نَفْيِ الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ التَّصْرِيحُ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ أَصْلًا . انْتَهَى .
وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَلَى مَا يَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَيْنَ الْحَشْرِ الْجُسْمَانِيِّ لِأَنَّ النُّفُوسَ النَّاطِقَةَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَتَسْتَدْعِي جَمِيعًا أَبْدَانًا غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ وَأَمْكِنَةً غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ ، وَقَدْ ثَبَتَ تَنَاهِي الْأَبْعَادِ بِالْبُرْهَانِ وَبِاعْتِرَافِهِمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَ " ثُمَّ " فِي الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا ثُمَّ يُمِيتُكَ " لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ لَا لِلتَّرْتِيبِ الْحُكْمِيِّ كَقَوْلِهِمْ بَلَغَنِي مَا صَنَعْتَ الْيَوْمَ ثُمَّ مَا صَنَعْتَ أَمْسِ أَعْجَبُ أَيْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مَا صَنَعْتَهُ أَمْسِ أَعْجَبُ .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28765النُّشُورُ فَهُوَ يُرَادِفُ الْبَعْثَ فِي الْمَعْنَى ، يُقَالُ نُشِرَ الْمَيِّتُ يُنْشَرُ نُشُورًا إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ أَيْ أَحْيَاهُ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يَوْمُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ .
وَأَمَّا الْحَشْرُ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ ، تَقُولُ حَشَرْتُ النَّاسَ إِذَا جَمَعْتُهُمْ ، وَالْمُرَادُ بِهِ جَمْعُ أَجْزَاءِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ التَّفْرِقَةِ ثُمَّ إِحْيَاءُ الْأَبْدَانِ بَعْدَ مَوْتِهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَزْمُ شَرْعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُ جَمِيعَ الْعِبَادِ وَيُعِيدُهُمْ بَعْدَ إِيجَادِهِمْ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمُ الْأَصْلِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا الْبَقَاءُ مِنْ أَوَّلِ الْعُمُرِ إِلَى آخِرِهِ وَيَسُوقُهُمْ إِلَى مَحْشَرِهِمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ ، فَإِنَّ هَذَا حَقٌّ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ
[ ص: 159 ] وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الشَّارِعُ .
وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ ثَابِتٌ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ مُطَابِقٌ .
وَالْأَصْلُ فِيمَا لَا دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَا عَلَى امْتِنَاعِهِ الْإِمْكَانُ كَمَا يَقُولُ الْحُكَمَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا قَرَعَ سَمْعَكَ مِنَ الْغَرَائِبِ قَدِّرْهُ فِي حَيِّزِ الْإِمْكَانِ مَا لَمْ يَرُدَّكَ عَنْهُ قَائِمُ الْبُرْهَانِ .
فَمَنْ زَعَمَ عَدَمَ إِعَادَةِ الْمَعْدُومِ أُلْزِمَ بِالْمَبْدَأِ ، فَإِنَّ الْمَعَادَ مِثْلَ الْمَبْدَأِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ أَوْ أَيْسَرُ كَمَا لَا يَخْفَى .
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَأْتِي بِمَا تُدْرِكُهُ الْعُقُولُ أَوْ تَتَحَيَّرُ فِيهِ وَلَا تَأْتِي بِمَا تُحِيلُهُ الْعُقُولُ أَبَدًا ، فَتَأْتِي بِمُحَارَاتِ الْعُقُولِ لَا بِمُحَالَاتِ الْعُقُولِ ، وَإِمْكَانُ الْمَعَادِ لِأَنَّهُ إِمَّا إِيجَادُ مَا انْعَدَمَ أَوْ جَمْعُ مَا تَفَرَّقَ أَوْ حَيِيَ بَعْدَ مَا أُمِيتَ ، وَهَذِهِ كُلُّهَا مُمْكِنَةٌ لَا إِحَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا مَعَ مَا تَوَاتَرَ مِنْ أَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَلَا سِيَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=30340فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ مِثْلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=38وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=7قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ -
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=16ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=51فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ -
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=3أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=4بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=44يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ -
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ -
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا -
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=81أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ -
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=19وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ) وَالْآيَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30340الْأَحَادِيثُ فَكَثِيرَةٌ جِدًّا فَفِي
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ،
وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026616سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا " زَادَ فِي رِوَايَةٍ - مُشَاةً - وَفِي رِوَايَةِ فِيهِمَا قَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026617يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ( nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) ) الْحَدِيثَ .
الْغُرْلُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ . وَمِثْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026618حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ فَقُلْتُ : الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ؟ قَالَ : " الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَلِكَ " وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَفِيهِ فَقَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2006428فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاسَوْأَتَاهُ ، يَنْظُرُ بَعْضُنَا [ ص: 160 ] إِلَى بَعْضٍ ؟ فَقَالَ : شُغِلَ النَّاسُ ، قُلْتُ مَا شَغَلَهُمْ ؟ قَالَ " نَشْرُ الصَّحَائِفِ فِيهَا مَثَاقِيلُ الذَّرِّ وَمَثَاقِيلُ الْخَرْدَلِ " .
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=93سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَيْضًا وَلَفْظُهُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026619يُبْعَثُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ وَبَلَغَ شُحُومَ الْآذَانِ " قَالَتْ فَقُلْتُ : يُبْصِرُ بَعْضُنَا بَعْضًا ؟ فَقَالَ : شُغِلَ النَّاسُ ( nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ .