الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الثالث )

أول من يحاسب العلماء والمغازون وأرباب الأموال والسعة ، وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة كما أخرج الإمام عبد الله بن المبارك ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :

" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، يقول الله تعالى لملائكته : انظروا لصلاة عبدي أتممها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان نقص منها شيئا قال الله : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال :

أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ؟ ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
" . وأخرج النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أول ما يحاسب عليه العبد صلاته ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء " . فإن قيل : قد ورد في التنزيل أن الناس لا يسألون قال تعالى : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، والجواب : أنه معارض بقوله تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ، ويجاب عن الآية الكريمة بأنهم لا يسألون سؤال استفهام ؛ لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال تقرير فيقال لهم : فعلتم كذا .

قال في البهجة كغيره : قال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ؛ لأن الله تعالى حفظها عليهم ، وكتبتها الملائكة .

وقيل : يسئلون في موطن دون موطن ، رواه عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما . ونظير هذا قوله تعالى :

( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) ، وفي الآية الأخرى ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) فللناس يوم القيامة حالات ، والآيات مخرجة باعتبار تلك الحالات ، ومن ثم قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنية :

أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون ، فذلك قوله تعالى :

( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا ) الآية فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا واختصموا فذلك قوله تعالى :

( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) عند الحساب وإعطاء المظالم ، ثم يقال لهم بعد ذلك ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) يعني في الدنيا ، فإن العذاب مع هذا القول كائن . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية