الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( تنبيه ( اعلم أن خلافة سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين - رضي الله عنه - مرتبة ولازمة لحقية خلافة الصديق الأعظم أبي بكر - رضي الله عنه - ، وقد قام الإجماع وإشارات الكتاب والسنة على حقية خلافته ، فما ثبت للأصل الذي هو الصديق من حقية الخلافة يثبت لفرعه الذي هو عمر بن الخطاب فيها ، فلا مطمع لأحد من فرق الضلال في الطعن والنزاع في حقية الخلافة ، وقد علم أهل العلم علما باتا ضروريا أن الصحابة الكرام أجمعوا على تولية الصديق الخلافة ، ومن شذ لا يقدح في ذلك من غير مرية .

فقد أخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيئ " . وقد رأى [ ص: 327 ] الصحابة - رضي الله عنهم - أن يستخلف أبو بكر فهذا صح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - وهو من أكابر الصحابة وفقهائهم ومتقدميهم ، فحكى الاجتماع عن الصحابة على خلافة أبي بكر ، ولذلك كان هو أحق بها عند جميع أهل السنة والجماعة في كل عصر ومصر ، وكذلك عند المعتزلة وأكثر فرق الأمة على أنه أحق بها من جميع الصحابة . روى البيهقي عن الزعفراني قال : سمعت الشافعي - رضي الله عنه - يقول : أجمع الناس على خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - ، وذلك أنه اضطرب الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلم يجدوا تحت أديم السماء خيرا من أبي بكر فولوه رقابهم . وأخرج أسد السنة عن معاوية بن قرة قال : ما كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشكون أن أبا بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله ، وما كانوا يجتمعون على خطأ ولا على ضلالة ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما مما بلغ التواتر وعلم من الدين بالضرورة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بايعه واعتذر إليه عن تأخره لعدم مشورته ، وإن له حقا في الشورى حتى إن سيدنا عليا - رضي الله عنه - بايع أبا بكر على المنبر لإزالة شبهة التخلف وفرح الناس بذلك . والنصوص المشيرة إلى خلافة الصديق كثيرة .

ومن أعظم فضائل الصديق ، وأتم فراسته على التحقيق ، وأكمل نصحه لهذا الدين القويم استخلافه أمير المؤمنين عمر الفاروق ، لما حصل به من عموم النفع وفتح البلاد ، وظهور الإسلام الظهور التام ، وقمع أهل الكفر وعبدة الأصنام ، فإن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - لما ثقل به المرض دعا عبد الرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر بن الخطاب . فقال : ما تسألني عن أمر أنت أعلم به مني . فقال أبو بكر : وإن كان ، فقال عبد الرحمن : هو والله أفضل من وراءك ورأيك فيه أتم رأي ، فدعا عثمان بن عفان فقال : أخبرني عن عمر . فقال : أنت أخبرنا به . وقال لعلي كذلك ، فقال علمك في ذلك ؟ فقال للصديق : علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ، وشاور معهما زيدا وأسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار ، فقال : اللهم علمه الخير ، ثم دعا عثمان فكتب عهده لعمر ، ثم أمر بالكتاب فختمه ، ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوما ، فبايع الناس ورضوا به ، ثم دعا أبو بكر [ ص: 328 ] - رضي الله عنه - عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه ، ثم خرج من عنده ، فرفع أبو بكر يديه ، فقال : اللهم إني لم أرد بذلك إلا إصلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم ما أنت أعلم به ، واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم ، وأحرصهم على ما يرشدهم ، وقد حضرني من أمرك ما حضرني ، فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك ، أصلح ولايته واجعله من خلائفك الراشدين ، وأصلح له رعيته .

وقد قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : أبو بكر استخلف عمر ، وصاحبة موسى حين قالت : استأجره ، والعزيز حين تفرس في يوسف فقال لامرأته : أكرمي مثواه .

وأخرج ابن عساكر عن يسار بن حمزة قال : لما ثقل أبو بكر أشرف على الناس من كوة ، فقال : أيها الناس إني قد عهدت عهدا أفترضون به ؟ فقال الناس : رضينا يا خليفة رسول الله ، فقام علي - رضي الله عنه - فقال : لا نرضى إلا أن يكون عمر . قال : إنه عمر . - رضي الله عنهم أجمعين - .

التالي السابق


الخدمات العلمية