( ( وعائشه في العلم مع في السبق فافهم نكتة النتيجه ) ) خديجة
( ( بنت الصديق وعائشة ) ) الصديقة - رضي الله عنهما - أم عبد الله ، أم المؤمنين ، وحبيبة رسول رب العالمين ، عقد عليها وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين وقيل بثلاث ، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ، وتوفيت بالمدينة ، ودفنت بالبقيع ، وأوصت أن يصلي عليها - رضي الله عنه - سنة ثمان وخمسين ، فهي - رضي الله عنها - وعن أبيها أفضل نسائه - صلى الله عليه وسلم - . أبو هريرة
( ( في العلم ) ) النافع والفقه الناصع فلها ( من ) الفضل في ذلك ما ليس لغيرها من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، حتى كان الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم - إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها ، فيجدون علمه عندها ، وقد وقع الخلاف بين علماء السلف في خديجة ، فقدم التفضيل بينها وبين أم المؤمنين البلباني من متأخرة علمائنا تبعا لابن حمدان في نهاية المبتدئين أن عائشة أفضل النساء ، وقال الإمام موفق الدين : أفضل النساء . قال المحقق خديجة ابن القيم في كتابه جلاء الأفهام : وقد اختلف في تفضيل على خديجة عائشة على ثلاثة أقوال : ثالثها الوقف . قال : وسألت شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - عنهما فقال : اختص كل واحدة منهما بخاصة . وإلى هذا أشرت بقولي : ( ( مع ، وأول أزواج رسول رب العالمين ، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وبقيت معه إلى أن أكرمه الله تعالى برسالته ، فآمنت به وصدقته ونصرته ، وكانت له وزير صدق ، وماتت قبل الهجرة بثلاث سنين في الأصح وقيل بأربع وقيل بخمس ، ولم يتزوج - صلى الله عليه وسلم - عليها غيرها ، وكل أولاده منها الذكور والإناث ، [ ص: 374 ] إلا خديجة ) ) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب أم المؤمنين إبراهيم - عليه السلام - فإنه من سريته مارية القبطية ، فخديجة المذكورة أفضل نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ( في السبق ) ) إلى الإسلام ، ومؤازرة خير الأنام ، قال شيخ الإسلام في جوابه للمحقق ابن القيم : كان تأثيرها في أول الإسلام ، وكانت تسلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتثبته وتبذل دونه مالها ، فأدركت غرة الإسلام ، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله ، وكانت نصرتها للرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعظم الحاجة ، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها . خديجة
قال : وعائشة - رضي الله عنها - تأثيرها في آخر أوقات الإسلام ، فلها من التفقه في الدين وتبليغه إلى الأمة ، وانتفاع بنيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها ، فلعائشة - رضي الله عنها - في آخر الإسلام من حمل الدين وتبليغه إلى الأمة ، وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه ولا غيرها ما تميزت به عن غيرها . وقال المحقق في كتابه بدائع الفوائد : الخلاف في خديجة عائشة - رضي الله عنها - أفضل من فاطمة - عليها السلام - أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل لا يستقيم ، أي الخلاف . كون
فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص ، لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب ، لا بمجرد أعمال الجوارح ، وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه ، والآخر أرفع درجة منه في الجنة ، وإن أريد بالتفضيل التفضيل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة ، وأدت من العلم ما لم يؤد غيرها ، واحتاج إلى علمها خواص الأمة وعامتها ، وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل ، فإنها بضعة من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك اختصاص لم يشاركها فيه غير إخوتها ، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة ، وإذا تبينت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل ، وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ، ولم يوازن بينها فيبخس الحق ، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصب وهوى لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم ، قال : وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل ، فأجاب فيها بالتفصيل الشافي ، وإلى هذا التفصيل أشرنا بقولنا ( ( فافهم ) ) فهم تحقيق وإذعان وتدقيق وإتقان [ ص: 375 ] ( ( نكتة النتيجة ) ) أي أثر فائدة الخلاف ، فإن النكتة أثر قليل كالنقطة شبه الأثر الذي يكون في المرآة والسيف ، ومنه حديث الجمعة ، فإذا فيها نكتة سوداء أي أثر قليل كالنقطة شبه الوسخ وأصله من النكت بالحصى ، ونكت التراب والأرض بالقضيب ، والنتيجة المراد بها هنا الحكم المتولد من القضيتين بالتفصيل في التفضيل ، وأصله من نتجت الناقة إذا ولدت فهي منتوجة ، وأنتجت إذا حملت فهي نتوج ، ولا يقال منتج ، ونتجت الناقة أنتجها إذا ولدتها ، والحكم الناتج مما نحن فيه أن أفضل بحسب السبق والمؤازرة وإنفاقها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتسليته وحمل المشاق بسببه ونحو ذلك ، خديجة وعائشة أفضل بسبب تحملها للعلوم وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإنها أحد المكثرين ، ونشرها لسنته - صلى الله عليه وسلم - ونفعها للأمة ، فإنها كانت عالمة فقيهة ، فصيحة فاضلة ، كثيرة الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عارفة بعلوم العرب وأشعارها ، وفضائلها ومناقبها كثيرة لا تحصى ، ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها ، وتفضيلها على سائر زوجاته - صلى الله عليه وسلم - مما لا يخفى .
قال الإمام المحقق ابن القيم في جلاء الأفهام : ومن خديجة - رضي الله عنها - أن الله - سبحانه وتعالى - بعث إليها السلام مع خصائص جبريل ، فبلغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ففي صحيح عن البخاري - رضي الله عنه - قال : أبي هريرة جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله هذه قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب خديجة . ورواه أتى مسلم أيضا ، وهذا لعمر الله خاصة لم تكن لسواها ، وأما عائشة - رضي الله عنها - فإن جبريل سلم عليها على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأخرج ، البخاري ومسلم ، وأبو داود ، ، والترمذي عن أم المؤمنين والنسائي عائشة - رضي الله عنها - قالت : عائش هذا جبريل يقرئك السلام " . فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته . قالت : وهو يرى ما لا أرى . قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما : " يا
قال ابن القيم : من خديجة - رضي الله عنها - أنها لم تسؤه قط ، ولم تغاضبه ، ولم ينلها منه إيلاء ولا عتب قط ولا هجر ، وكفى بهذه [ ص: 376 ] منقبة ، ومن خواصها أنها أول امرأة آمنت بالله من هذه الأمة . خواص
ومن عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكرا غيرها ، وأنها كانت ينزل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في لحافها ، ولما نزلت آية التخيير بدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها فخيرها خصائص . فاستن بها بقية أزواجه - صلى الله عليه وسلم - ، وقلن كما قالت ، ومن أعظم خصائصها أنها كانت أحب أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليه ، كما ثبت عنه ذلك في الصحاح والمسانيد والسنن ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " وقال لها : " فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك " . فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " . رواه فضل البخاري ومسلم وغيرهما .
ومن أعظم خصائصها أن الله تعالى برأها مما رماها به أهل الإفك ، وأنزل في براءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين وصلواتهم إلى يوم القيامة ، وشهد لها أنها من الطيبات ، فلله من حصان عظمت فضائلها ، وجلت مناقبها ، ورسخت قدمها في الدين ، وعظم شأنها عند سائر المسلمين ، واحتاج لعلمها أئمة الصحابة ، وشهد لها أهل التحقيق بالتقدم والإصابة ، فقد أخرج الترمذي عن - رضي الله عنه - قال : ما أشكل علينا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث قط فسألنا أبي موسى الأشعري عائشة إلا وجدنا عندها منه علما . قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وأخرج الترمذي عن أنس - رضي الله عنه - وصححه أن رجلا نال من عائشة - رضي الله عنها - عند - رضي الله عنه - فقال : اغرب مقبوحا منبوحا أتؤذي حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ وروى عمار بن ياسر الترمذي عن عبد الله بن زياد الأسدي قال : سمعت - رضي الله عنه - يقول : هي زوجته في الدنيا والآخرة . - يعني عمار بن ياسر عائشة رضي الله عنها - . وقال : حديث حسن صحيح . ومناقبها كثيرة ، وفضائلها غزيرة رضي الله عنها ، وعن سائر أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .