الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
شروح وتعليقات

قال القاضي: قول محمد بن الحنفية عليه السلام: " أسمعني كلاما تكمشت له " أي: انقبضت منه، يقال لما تغضن وتشنج من الفاكهة وغيرها قد تكمش فهو متكمش. وقوله: " ذكر أبي بكلام تقمعت له " يقال: قد تقمع الرجل وانقمع إذا انخزل وانكسر.  وقول عبد الملك: " يا لكع " يريد يا عبد أو يا لئيم. وقوله " " وهراوة البقار " يعني عصا الراعي التي يذود بها البقر، يريد أنه لا يصلح إلا لأداني الأمور. وما رواه محمد بن الحنفية من قول أمير المؤمنين عليه السلام في دعاه: " ها أنا ذا يا رب برمتي " العرب تقول: أخذ فلان كذا وكذا برمته، يريدون أخذه كله واستوفاه ولم يغادر شيئا منه؛ وكذلك قولهم أخذه بأسره، والأسر القيد، وبه سمي الأسير أسيرا وهو الآخذ بمعنى المأخوذ، وكانوا يشدونه بالقد إذا [ ص: 730 ] أسروه. وأما الرمة فالحبل البالي كانوا يشدون الأمتعة به، ومنه قول ذي الرمة:


أشعث باقي رمة التقليد

وقيل: إنما سمي ذا الرمة لقوله هذا، وهو غيلان بن عقبة، فأما الرمة بالكسر فالعظم البالي، ويقال: رم العظم يرم وهو رميم، ومنه قول الشاعر:


والنيب إن تعر مني رمة خلقا     بعد الممات فإني كنت أتئر



وهذا من أبيات المعاني ومعناه أن النيب، وهي جمع ناب، وهي الناقة المسنة، يقال لها ذلك كأنها لم يبق مر السنين عليها إلا نابا كما يقال فلان رأس وفلان بطن، ومن الناب قول جرير:


لقد سرني ألا تعد مجاشع     من المجد إلا عقر ناب بصوأر



وقال أيضا:


تعدون عقر النيب أفضل مجدكم     بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا



قال: كانت تأكل عظام الموتى طلبا لملوحتها فقال هذا الشاعر: إن تعر مني رمة خلقا، يريد إن تأكل عظامي بعد موتي، فإني كنت أتئر أي آخذ منها بثأري سلفا في حياتي، يعني أنه كان ينحرها للأضياف. وقوله: " أتئر " أفتعل من الثأر، وأصله أثتئر فقلبت الثاء تاء وأدغمت في التي بعدها، وكذلك مدكر أصله مذتكر، ومظلم أصله مظتلم. ولما وصفنا من القلب علة هي مرسومة في موضعها. ومن العرب من يقول أثتر بالثاء، ومذكر بالذال، ومطلم بالطاء إلا أن المختار أفصح في القياس، والأشهر في الرواية مدكر ومتئر ومظلم ومثله مدخر ومذخر، قال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان:


هو الجواد الذي يعطيك نائلة     عفوا ويظلم أحيانا فيظلم



يروى على الوجهين والظاء أشهرهما، والمشهور من القراء في قول الله تعالى: فهل من مدكر الدال، وكذلك قوله تعالى: وما تدخرون في بيوتكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية