الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الثالث والثمانون

حديث إذا أراد الله بقوم خيرا

حدثنا القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا قال: حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا محمد بن عبد بن عامر السعدي، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أبو يعقوب، قال: أخبرنا عيسى بن يونس السبيعي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي عن حيان بن أبي [ ص: 622 ] جبلة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بقوم خيرا أكثر فقهاءهم وقلل جهالهم، حتى إذا تكلم العالم وجد أعوانا، وإذا تكلم الجاهل قهر، وإذا أراد الله بقوم سوءا كثر جهالهم، وقلل فقهاءهم، حتى إذا تكلم الجاهل وجد أعوانا، وإذا تكلم الفقيه قهر   ".

قال القاضي: قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم نظير ما أتى به هذا الخبر من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة في صورها متفقة في معانيها، ومما روي عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب إخباره أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل،  وقد فشا هذا الأمر المنكر المذموم في زماننا، وصار الجاهل فيه مقدما متبوعا، والعالم المتقدم في علمه مقصيا حتى يتسرع إلى الفتيا في الدين والحكم بين المسلمين من لم يعن بدراسة الفقه، ولم يعرف بمجالسة أهله، ولا مجاثاة الخصوم فيما اختلف أيمة الفقه فيه، ومناظرتهم ومجاراتهم ومذاكرتهم. وسألت هذه الطائفة المضللة المحتقرة المسترذلة بعض من قد اشتهر طلبه للعلم ومذاكرته واشتغاله بالنظر فيه واتفاق أصحاب له يأخذون عنه ويرجعون إلى تلخيصه المشكل منه لاختلاط بعضهم ببعض، ومعاشرتهم بعضهم بعضا، وممالأة كل فريق منهم صاحبه على ما يؤثره، ووقوف كل حزب منهم على ما يرغب عنه ذو الدين وينكره، فصاروا على الحد الذي قال في أهله مالك بن دينار: افتضحوا فاصطلحوا، وكما قال الشاعر:


ذهب الرجال المقتدى بفعالهم والمنكرون لكل أمر منكر     وبقيت في خلف يزين بعضهم
بعضا ليدفع معور عن معور



ولقد بلغني أن رجلا استفتى بعض أهل زماننا في شيء بينه وبين خصم له، فأفتاه بما فيه حجة له فيما استفتاه عنه، وإنكارا على خصمه ما حاول منازعته فيه، فلما ولى لقيه بعض أنسباء الخصم المستفتى عليه فأخذ صحيفة الفتيا من يده وأخبر المفتي أن ذلك استفتاه المستفتي فيه شيء هم الخصوم فيه، وما أفتى به مما يكرهونه ويستضرون به، فارتجع الفتيا من صاحبها، وألحق بها ما عاد على فتياه الأولى فنقضها وقلبها عن جهتها. ولنا في هذا الفصل كلام قد أثبته ووصلته بأبيات حضرتني، وأودعت ذلك كتابي المسمى " تذكير العاقلين وتحذير الغافلين " والأبيات:


تسالم القوم لما     عادوا دعاة السلامه
تفاسدوا ثم أبدوا     صلحا بغير استقامه
والصلح ما لم يهذب     عداوة مستدامه
وكل ود سقيم     فمنتهاه الندامه

التالي السابق


الخدمات العلمية