حدثنا ابن دريد، قال: أخبرنا السكن بن سعيد، عن العباس بن هشام، عن أبيه، عن قال: حدثنا شيخان من عوانة بن الحكم، همدان قالا: كان نظام بن جشم بن عمر بن مالك بن عبد الجن الهمداني، وهو جد أعشى همدان، واسم الأعشى عبد الرحمن بن الحارث بن نظام، مؤاخيا لأشوع بن أبي مرثد الهمداني وكانا مغوارين فاتكين قرضوبين جوادين - قال ابن دريد: القرضوب: الذي يأخذ كل ما لاح له - لا يليقان شيئا، قال القاضي: يقال للصوص: قراضبة، ويقال للفقير قرضوب، قال الشاعر:
قوم إذا صرحت كحل فدارهم كهف الضعيف ومأوى كل قرضوب
رجع الحديث: لا يليقان شيئا، فخرجا يريدان الغارة على مهرة ابن حيدان، وكان يختلسان الصرمة ثم يشلانها مجاهرة، فإن أدركا رميا فلم يسقط لهما سهم، قال قال أبي، قال ابن الكلبي: عوانة: سمعت من أثق به من رجال همدان يخبر أن السرب من القطا كان يمر بهما طائرا فيقولان: أيها تريدون؟ فيومأ إلى الواحدة منها فيرميانها فلا يخطئان، وكذلك الظباء، وبين بلاد همدان وبلاد مهرة مفازة منكرة، لا تسلكها الخيل وتسوخ فيها أخفاف الإبل فتصب فيها أودية مهرة وأودية الحوف، وهي سبخة ملحة نشاشة، لا تنبت عودا ليس العكرش، قال: ففوزا أياما وشول ماؤهما وخافا الهلاك، فأبصرا يوما مع ذرور الشمس طيرا تحوم على غمض من الأرض، فقال أحدهما لصاحبه: ألا ترى ما أراه، فقال: بلى والله إنها لتحوم على لحم أو ماء، وأيها كان فهو ملك أو وشل فقصدا الجهة حتى هبطا غائطا ذا خبراوات ونقعان، فأناخا وشربا وسقيا وعضدا لراحلتيهما، واستظلا ببعض تلك الشهر، فبينا كذلك إذ مر بهما أمعوز، وهو جماعة من الظباء، فرمياه فصرعا ظبيين وأورقا وأوريا واشتويا وقعدا يرقبان الليل ليستدلا بالنجوم، [ ص: 104 ] فإذا سواد مقبل فأخمرا راحلتيهما، قال ابن دريد: أي وارياها تحت الشجر، قال القاضي: وهو الخمر، قال الشاعر:ألا يا زيد والضحاك سيرا فقد جاوزتما خمر الطريق
روحي إلى خير أبي المعارك
لمبرك من أرحب المبارك
فإن بيت أضيافه هنالك
فأبشري بوقع عضب باتك
يبتر منك أسوق البوائك
فما غاب الأول عن أعيننا حتى بدت صرمة أخرى يحدوها عبد أسود، وهو يقول:روحي إلى مبركك الدماثر إلى فتى كهبان والمهاجر
وعصمة المعتر والمهاجر والليث في اليوم العماس الخادر
فإن منيت بمضاف زائر فأيقني بوقع عضب باتر
ثم اعتراق بشفار جازر مخطرف للجلة البهازر
قد يترك الدهر في خلقاء راسية وهيا وينزل منها الأعصم الصرعا
وفرع يصير الجيد وحف كأنه على الليت قنوان الكروم الدوالح
وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم
وفرع يصير . . . البيت وقد قرئ: فصرهن إليك وقصرهن.. والمعنى الميل، وقيل: القطع، وبيان هذا في كتبنا في علوم القرآن مستقصاة.
رجع الحديث، وهي سرع إلى تأييهه، فلما دنا منا قال: خليا عنها لا أم لكما، فقلنا: ولا نعمى عين، وبوأنا له سهمين فأقحم من راحلته كالوعل المذعور، وانتضى سيفه وثنى رأسه في درقته، فوالله ما أرسلنا سهمينا حتى خالطنا، فضرب عرقوبي ناقة صاحبي [ ص: 105 ] فغادرها نكوس، وأهوى للأخرى فبتر عرقوبها وهو يقول:
علام أسقي رسلها وأمنح وأشبع الضيف بها وأجرح
إن لم أقاتل دونها وأضرح عنها إذا خام الكمي الشحشح
أقول لخاربي همدان لما أثارا صرمة حمرا وعيسا
ألم تعلما أن لن تفوتا وأن لن تعجزا الليث الهموسا
فظن عاجز أن تسلباني ومن ذا يسلب الليث الفريسا
ومن دون الذي أملتماه ضراب يقطر البطل البليسا
إذا أنا لم أذد عن مدفآت فيحدو بيدها الحزن الشريسا
فمم أجنب الأضياف ذمي إذا النكباء أوجفت البئيسا
ومما أحسب الجمم اللواتي يظل لها الرجال إلي شوسا
ومما أنعش العفى إذا ما تراءى وجه دهرهم عبوسا
أهيبا خاربي همدان منها بزهر تطرد الفقر الضروسا
وأوبا سالمين بها ولما أثر لكما النآد المرمريسا
خلا أن العتاق من المطايا أحسن به فهن إليه شوس
ترى حولهن المعتفين كأنهم على صنم في الجاهلية عكف
تطوف العفاة بأبوابه كطوف النصارى ببيت الوثن
إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
وقتلونا ركعا وسجدا
وقال الله تعالى: والركع السجود .