فضل العقل
حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد، أبو بكر البزاز، قال: حدثنا محمد بن عبد النور الحراني، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا سفيان، عن عن [ ص: 165 ] حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، علي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب إليه بأنواع العقل، تسبقهم بالدرجات والزلف عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة" .
قال القاضي: وهذا ما يبين به وأن الأعمال الصالحة تزكو به ويتضاعف ثواب عاملها بحسب حظهم منه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: شرف العقل وفضله، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الرجل ليكون من أهل الصلاة وأهل الصيام وأهل الجهاد - حتى عد سهام الخير – ويجازى إلا على قدر عقله" "ما استودع الله عز وجل عبدا عقلا إلا استنقذه به يوما ما" .
وما روي عن العقل وفضله، وشرف منزلته، وعظيم نفعه، أكثر من أن يحصى.
وقد حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال: حدثنا محمد بن حسين، عن عمرو بن حمزة، قال: حدثنا عن صالح المري، حسن، عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنس، "إن الحكمة تزيد الشريف شرفا، وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك" . وإن في هذا ما يرغب في اقتباس العلم واكتساب الحكمة ورفع المرء قدره عن طبقة العوام، ومنزلة الهمج الطغام، فكم ذي علم ومعرفة وحكمة وبصيرة، قد نبه وسما وارتفع وعلا، وصار متبوعا معظما وزعيما مقدما، وكم من ذي قدر وحسب، ومنصب ونسب، ومال ونشب، وشرف في أصله، ومنزلة في أهله، قد هدم ما بناه له أهله وشيدوه، وخفض ما رفعوه، وحط ما علوه وعمدوه، وقد روينا أن بعض ولد روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب وجد في القبة التي بالبصرة، وهي التي يقال لها "خضراء روح" على سوءة، فقيل له: ويحك أفي محل شرفك؟! فقال:
ورثنا المجد عن آباء صدق أسأنا في ديارهم الصنيعا
ومما يستحسن في هذا المعنى قول القائل:إن الفتى من يقول هأنذا ليس الفتى من يقول كان أبي
لسنا وإن أحسابنا كرمت أبدا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
حدثنا ابن دريد، قال: أخبرنا أبو معاذ المؤدب خلف بن أحمد، قال سمعت المازني ينشد:
ولرب ذي مال تراه مباعدا كالكلب ينبح من وراء الباب
وترى الأديب وإن دهته خصاصة لا يستخف به على الأبواب
فلا تفتخر إلا بما أنت فاعل ولا تحسبن المجد يورث كالنسب
وليس يسود المرء إلا بفعله وإن عد آباء كراما ذوي حسب
إذا العود لم يثمر وإن كان شعبة من المثمرات اعتده الناس في الحطب