الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المجلس الخامس

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

حدثنا محمد بن حمدان بن سفيان الطرائفي سنة أربع عشرة وثلثمائة قال: حدثنا محمد بن العباس التنيسي، قال: حدثنا عمر بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله الدمشقي، عن الأصبغ، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب"

التعليق على الحديث

قال القاضي: وفي هذا الخبر من التنبيه على فضل اصطناع المعروف، وصدقة السر  التي يراد الله عز وجل بها، ويطمئن المتصدق بها إلى الإيمان باطلاع عليها وإخلاصها من الرياء المبطل لثوابها ما يبعث كل ذي لب نصح لنفسه وأراد السعادة لها، والنجاة من هول عظيم المكروه بها، على الرغبة فيه والمسابقة إليه، فأعظم بالنعمة على من دفعه الله عز وجل لطاعته، ووقاه شح نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقد ورد في هذا المعنى من الترغيب في البر والحض على ما فعل ما عاد بجزيل الأجر وجميل الذكر، ما يطول شرحه ويتعب جمعه، مسندا ومقطوعا، ومرسلا وموصولا، ونحن نأتي بطرف منه كاف لمن تشوف إليه، وشاف لمن أراد لنفسه الصلاح به فمما جاء في هذا المعنى ما حدثنا إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى الهاشمي، قال: حدثني أبي، قال: حدثني جدي محمد بن إبراهيم الإمام وكان يجلس لولده وولد ولده في كل يوم خميس فيعظهم ويحذرهم، فقال: أرسل إلي أمير المؤمنين المنصور بكرة واستعجلني الرسول، فظننت ذلك لأمر حدث فركبت إذ سمعت وقع الحافر، فقلت للغلام: انظر من هذا؟ فقال: هذا أخوك عبد الوهاب، فرفقت في السير فلحقني فسلمت عليه وسلم علي فقال: أتاك رسول هذا؟ قلت: نعم، فهل أتاك؟ قال: نعم، فقلت: ففيم ذاك ترى؟ قال: تجده اشتهى خلا [ ص: 35 ] وزيتا أسود الغداة فأحب أن نأكل معه، فقلت: ما أرى ذاك، وما أظن هذا إلا لأمر قال: فانتهينا إليه فدخلنا فإذا الربيع واقف عند الستر، وإذا المهدي ولي العهد في الدهليز جالس، وإذا عبد الصمد بن علي وداود بن علي وإسماعيل بن علي وسليمان بن علي وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن حسن بن حسن والعباس بن محمد فقال الربيع: اجلسوا مع بني عمكم، قال: فجلسنا ثم دخل الربيع وخرج، فقال المهدي: ادخل أصلحك الله، ثم خرج فقال: ادخلوا جميعا، فدخلنا فسلمنا وأخذنا مجالسنا، فقال للربيع: هات دوى يكتبون فيه، فوضع بين يدي كل منا دواة وورقا، ثم التفت إلى عبد الصمد بن علي، فقال: يا عم حدث ولدك وإخوتك وبني أخيك بحديث البر والصلة، فقال عبد الصمد: حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن البر والصلة ليطولان الأعمار ويعمران الديار ويثريان الأموال وإن كان القوم فجارا" ثم قال: يا عم الحديث الآخر، فقال عبد الصمد بن علي: حدثني أبي، عن جدي عبد الله بن العباس، فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن البر والصلة ليخففان سوء الحساب يوم القيامة، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب فقال المنصور: يا عم الحديث الآخر، فقال عبد الصمد، حدثني أبي، عن جدي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان في بني إسرائيل ملكان أخوان على مدينتين وكان أحدهما بارا برحمه عادلا مع رعيته، وكان الآخر عاقا برحمه جائرا على رعيته، وكان في عصريهما نبي فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أنه قد بقي من عمر هذا البار ثلاث سنين، وبقي من عمر العاق ثلاثون سنة، فأخبر ذلك النبي رعية هذا ورعية ذلك فأحزن ذلك رعية العادل، وأحزن ذلك رعية الجائر، فقال: ففرقوا بين الأطفال من الأمهات وتركوا الطعام والشراب، وخرجوا إلى الصحراء يدعون الله عز وجل أن يمتعهم بالعادل ويزيل عنهم الجائر فأقاموا ثلاثا، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: "أخبر عبادي أني قد رحمتهم وأجبت دعاءهم، فجعلت ما بقي من عمر هذا البار لذلك الجائر، وما بقي من عمر الجائر لهذا البار، قال: فرجعوا إلى بيوتهم ومات العاق لتمام ثلاث سنين وبقي العادل فيهم ثلاثين سنة، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ثم التفت المنصور إلى جعفر بن محمد، فقال: يا أبا عبد الله، حدث إخوتك وبني عمك بحديث أمير المؤمنين علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في البر، فقال جعفر بن محمد: حدثني أبي عن جدي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ملك يصل ذا قرابته ويعدل على رعيته إلا شد الله ملكه، وأجزل له ثوابه وأكرم مآبه وخفف حسابه".

[ ص: 36 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية