حدثنا محمد بن مزيد الخزاعي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا عمي عن جدي مصعب بن عبد الله، عبد الله بن مصعب، قال: حضرت شريكا في مجلس أبي عبيد الله، وعنده الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والجريري رجل من ولد جرير، وكان خطيبا للسلطان، فتذاكروا الحديث في النبيذ الأحمر واختلافهم فيه، فقال شريك: حدثني أبو إسحاق، عن عن عمرو بن ميمون الأودي، رضي الله عنه، قال: عمر بن الخطاب فقال إنا نأكل من لحم هذه الإبل ونشرب عليها من النبيذ ما يقطعها في أجوافنا وبطوننا، ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق، فقال الحسن بن زيد: شريك: أجل والله ما سمعته، شغلك عن ذلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس وسكت.
فتذاكر القوم الحديث في النبيذ، فقال أبا عبد الله! حدث القوم بما سمعت في النبيذ، فقال: كلا، الحديث أعز على أهله من أن يعرض لتكذيب على من يرد على أبو عبيد الله: أو على أبي إسحاق الهمداني عمرو بن ميمون الأودي.
تحقيق المسألة
قال القاضي: ما أسكر من الأنبذة فهو خمر محرم شرب قليله وكثيره، كما قال عبد الله بن إدريس الأودي:
كل شراب مسكر كثيره من عنب أو غيره عصيره فإنه محرم يسيره
إني لكم من شره نذيره
ويحقق هذا ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: سعد بن أبي وقاص، " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره ".
وقد ذكرنا في كتبنا الفقهية الدليل من الكتاب والسنة والقياس على تحريم الأنبذة التي [ ص: 241 ] أحلها من أحلها من متفقهة العراقين. وذكر من ذلك شيخنا أبو جعفر رضي الله عنه في كتبه في الرد على المخالفين فيه، ونقض ما اعتلوا به ما تشرف به الناصح لنفسه، الناظر لدينه، المحقق في نظره على موضع الصواب منه، فأما الرواية التي حدث بها شريك عن عمر رضي الله عنه فإنها معروفة ولها نظائر مروية عنه، وهي في تأويلها غير مخالفة لما ذهب إليه مخالفونا، مخطئون عندنا في تأويل بعضها، فكيف يظن بعمر غير ما أضفنا من القول إليه، وحملنا تأويل الروايات عنه عليه، وقد ثبت عنه أنه قال في ابنه: إن عبيد الله شرب شرابا وإني سائل عنه، فإن كان مسكرا حددته، فسأل عنه فكان مسكرا فحده، فلم يسأل أي سائل عنه: إن كان في نوع مخصوص أو نيئا غير مطبوخ، ولا قال أي سائل عن عبيد الله: هل تمادى في شرب ما شربه حتى أسكره؟ أم اقتصر على القليل منه؟ ووقف عند مقدار لا يبلغ إلى السكر به؟ وقد نقل عنه أنه كان يحد في الرائحة، فأخذ بهذا جمهور المتفقهين من أهل المدينة.
وليس كتابنا هذا من مواضع الإطناب في هذا الباب ومحاجاة الخصوم فيه.