الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر عن تحليل النبيذ، والاستطراد إلى حكمه

حدثنا محمد بن مزيد الخزاعي، قال: حدثنا الزبير، قال: حدثنا عمي مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، قال: حضرت شريكا في مجلس أبي عبيد الله، وعنده الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، والجريري رجل من ولد جرير، وكان خطيبا للسلطان، فتذاكروا الحديث في النبيذ الأحمر واختلافهم فيه، فقال شريك: حدثني أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: إنا نأكل من لحم هذه الإبل ونشرب عليها من النبيذ ما يقطعها في أجوافنا وبطوننا،  فقال الحسن بن زيد: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة، إن هذا إلا اختلاق، فقال شريك: أجل والله ما سمعته، شغلك عن ذلك الجلوس على الطنافس في صدور المجالس وسكت.

فتذاكر القوم الحديث في النبيذ، فقال أبو عبيد الله: أبا عبد الله! حدث القوم بما سمعت في النبيذ، فقال: كلا، الحديث أعز على أهله من أن يعرض لتكذيب على من يرد على أبي إسحاق الهمداني أو على عمرو بن ميمون الأودي.

تحقيق المسألة

قال القاضي: ما أسكر من الأنبذة فهو خمر محرم شرب قليله وكثيره، كما قال عبد الله بن إدريس الأودي:


كل شراب مسكر كثيره من عنب أو غيره عصيره     فإنه محرم يسيره
إني لكم من شره نذيره



ويحقق هذا ما رواه سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره ".  

وقد ذكرنا في كتبنا الفقهية الدليل من الكتاب والسنة والقياس على تحريم الأنبذة التي [ ص: 241 ] أحلها من أحلها من متفقهة العراقين. وذكر من ذلك شيخنا أبو جعفر رضي الله عنه في كتبه في الرد على المخالفين فيه، ونقض ما اعتلوا به ما تشرف به الناصح لنفسه، الناظر لدينه، المحقق في نظره على موضع الصواب منه، فأما الرواية التي حدث بها شريك عن عمر رضي الله عنه فإنها معروفة ولها نظائر مروية عنه، وهي في تأويلها غير مخالفة لما ذهب إليه مخالفونا، مخطئون عندنا في تأويل بعضها، فكيف يظن بعمر غير ما أضفنا من القول إليه، وحملنا تأويل الروايات عنه عليه، وقد ثبت عنه أنه قال في ابنه: إن عبيد الله شرب شرابا وإني سائل عنه، فإن كان مسكرا حددته، فسأل عنه فكان مسكرا فحده، فلم يسأل أي سائل عنه: إن كان في نوع مخصوص أو نيئا غير مطبوخ، ولا قال أي سائل عن عبيد الله: هل تمادى في شرب ما شربه حتى أسكره؟ أم اقتصر على القليل منه؟ ووقف عند مقدار لا يبلغ إلى السكر به؟ وقد نقل عنه أنه كان يحد في الرائحة، فأخذ بهذا جمهور المتفقهين من أهل المدينة.

وليس كتابنا هذا من مواضع الإطناب في هذا الباب ومحاجاة الخصوم فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية