حدثنا محمد بن الحسن بن دريد، قال: أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: زياد إذا ولى رجلا عملا قال له: خذ عهدك، وسر إلى عملك، واعلم أنك مصروف رأس سنتك، وأنك تصير إلى أربع خلال، فاختر لنفسك، إنا إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلنا بك لضعفك، وسلمتك من معرتنا أمانتك، وإن وجدناك قويا خائنا استهنا بقوتك، وأحسنا على خيانتك أدبك، وأوجعنا ظهرك، وثقلنا غرمك، وإن جمعت علينا الجرمين جمعنا عليك المضرتين، وإن وجدناك أمينا قويا زدنا في عملك، ورفعنا ذكرك، وكثرنا مالك، وأوطأنا عقبك. كان
معنى أوطأنا عقبك
قال القاضي: قول زياد: وأوطأنا عقبك، يريد أن نشرفك وننوه بك ونرفع من قدرك، فيكثر أتباعك، ويطأ الرجال عقبك، باتباعهم إياك، وازدحامهم في موكبك، والعرب تقول للرجل إذا وصفته بالسؤدد: فلان موطأ الأعقاب، كما قال الشاعر:
[ ص: 255 ]
يا سيدا ما أنت من سيد موطأ الأعقاب رحب الذراع قوال معروف وفعاله
وهاب أمات الفصال الرباع
قال هذا في الشعر: موطأ الأعقاب، وإنما للإنسان عقبان على أحد وجهين، إما أن يكون رأي الاثنين جمعا. كما قال الله جل جلاله: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض إلى قوله: إن هذا أخي ... ، وإما يكون جمع العقبين بما حولهما كما قال الأعشى:
والزعفران على ترائبها شرفاته اللبات والنحر
فجمع اللبة بما حولها.
وقال: "أمات" في جمع أم، وهذا معروف في كلام العرب، وقد زعم بعضهم أن "أمات" تستعمل في البهائم، وأمهات تستعمل في الأناسي، والجمهور على تجويز ذلك في الجميع، وقد قال الشاعر:
إذا الأمهات قبحن الوجوه فرجت الظلام بأماتكا
وفي مواضع من هذا الباب خلاف بين الكوفيين والبصريين ليس هذا موضع ذكره، واللغة المشهورة أمهات، وفي الواحدة هاء مقدرة، وربما أظهرت، كما قال الراجز:
أمهتي خندف وإلياس أبي
واللغة العالية المستفيضة السائرة التي جاء بها القرآن الكريم في مواضع كثيرة: أم وأمهات، قال الله تعالى: وجعلنا ابن مريم وأمه آية ، وقال تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم .