الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقصة أخرى في هذا الشأن

حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين الشحيمي القاضي ، قال: حدثني عمر بن الحسن الحرضي ، قال: حدثني عبد الله بن طاهر ، قال: دخلت على إسحاق بن إبراهيم يوما فقال لي: بينا أنا ذات يوم قاعد دخل علي رجل، فقال: أنا رسول رسول الله إليك، قال لك: أطلق القاتل المحبوس، فقلت: ليس عندي قاتل محبوس، قال: فأمرت أن يفتش، فذكر لي رجل فأمرت بإحضاره، فرفع في قصة أنه رجل وجد معه سكين أو أنهم وجدوا السكين معه؟ فقلت له: ما قصتك؟ فقال: أنا رجل بتري، عملت كل بلية من الزنا والفسق والشر وكنا جماعة في دار فأدخلنا امرأة فصاحت، فقالت: يا قوم! اتقوا الله فإني امرأة من ولد الحسن بن علي ومن ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فدفعتهم عنها، فقالوا: أيا فاسق لما قضيت بحاجتك منها تدفعنا، فجاذبتهم وجاذبوني حتى قتلت رجلا منهم وخلصتها منهم، فابتدروني ومعي السكين وحبست، قال: قلت: رسول رسول الله جاءني وأمرني بإطلاقك، قال: فقال: فإني تائب إلى الله وإلى رسوله من كل شيء كنت فيه ولا أعود في شيء منه أبدا فأطلقته.  

قال الشحيمي: هذا معنى ما حدثني به حفظته منه حفظا.

قال القاضي: عمر بن الحسن الحرضي هذا هو ابن الأشناني القاضي ، والحرض في كلام العرب الأشنان والإناء الذي يجعل منه المحرضة فاتهمه لنا الشحيمي لأنا حدثنا عنه هذه القصة قبل موته بسنين كثيرة.

رأي القاضي في إطلاق سراح الرجل

قال القاضي: ودفع هذا المحبوس من حاول من أصحابه ركوب الفاحشة - على ما [ ص: 266 ] ذكر في هذا الخبر - حسن في الدين، جميل في شريعة المسلمين، وتخلية إسحاق بن إبراهيم سبيله وترك تعقبه بمكروه أو عقوبة صواب، إن كانت القصة جرت على ما حكاه، من عرض لمسلم أو معاهد يريد به مكروها، بغير حق في نفسه أو ماله،  فحق على المسلمين دفعه عما قصده من ذلك وشرع فيه، وحربه وقتاله إن كانت له قوة وفيه منعة، وإن أبى دفعهم إياه بالطعن والضرب على نفسه إذ كان قصدهم دفعه عن ظلمه، وإعجازه عما يرومه من بغيه وعدوه، ودمه وما ناله من الجراح في نفسه وإتلاف أعضائه هدر لا قصاص فيه ولا دية، ولا إرش ولا حكومة، ولا تبعة ولا عقوبة، ولا غرم ولا كفارة، وهذا هو القول المفهوم في الشريعة والموروث بين أهل الملة، والمستفيض بين أهل القبلة، والمتقبل من مذاهب خاصة علماء الأئمة، وعامة الأمة.

التالي السابق


الخدمات العلمية