حدثنا الحسن بن القاسم الكوكبي ، قال: حدثنا ، قال: حدثني ابن أبي سعيد أبو عمرو القعنبي ، قال: حدثنا صفوان بن هبيرة التميمي ، عن الصدفي ، عن ، قال: الزهري فاستأذنت عليه فلم يؤذن لي، فدخل الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلا شابا أحمر، زعم أنه من قريش، قال: صفه فوصفه له، قال: لا أعرفه إلا أن يكون من ولد عبد الملك بن مروان مسلم بن شهاب ، فدخل عليه، فقال: هو من بني مسلم فدخلت، قال: من أنت؟ فانتسبت له وقلت: إن أبي هلك وترك عيالا صبية، وكان رجلا متلافا لم يترك مالا، فقال: لي عبد الملك: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم بإعرابه، قال: وما ينبغي منه من وجوهه وعلله؟ قال: قلت: نعم، قال: إنما فوق ذلك فضل إنما يراد أن يعايا ويلغز به، قلت: نعم، قال: تعلمت الفرائض؟ قلت: نعم، قال: الصلب والجد واختلافهما؟ قلت: أرجو أن أكون قد فعلت، قال: وكم دين أبيك؟ قلت له: كذا وكذا، قال: قد قضى الله دين أبيك، وأمر لي: بجائزة ورزق يجري، وشراء دار قطيعة بالمدينة ، وقال: اذهب فاطلب العلم ولا تشاغل عنه بشيء فإني أرى لك عينا حافظة وقلبا زاكيا، وائت الأنصار في منازلهم، قال أتيت : وكنت أخذت العلم عنهم الزهري بالمدينة ، فلما خرجت إليهم إذا علم جم فاتبعتهم حتى ذكرت لي امرأة نحو قباء تروي رؤيا فأتيتها، فقلت: أخبريني برؤياك، قال: فقالت: كان لي ولدان واحد حين حبا، والآخر يتبعه، وهلك أبوهما وترك واهنا وداجنا ونخلات، فكان الداجن نشرب لبنها ونأكل تمر النخلات، فإني لبين النائمة واليقظانة - قال : القاضي : هكذا في الخبر والمشهور في العربية اليقظى - ولنا جدي فرأيت كأن ابني الأكبر قد جاء إلى شفرة لنا فأخذها، وقال يا أمه! قد أضررت بنا وحبست اللبن عنا، فأخذ الشفرة وقام إلى ولد الداجن فذبحه بتلك الشفرة، ثم نصب قدرا لنا ثم قطعه ووضعه فيها، ثم قام إلى أخيه فذبحه بتلك الشفرة، واستنبهت مذعورة وإذا ابني الأكبر قد جاء، فقال: يا أمه! أين اللبن، فقلت: يشربه ولد هذه الداجن، فقال: ما لنا في هذا من شيء، وقام إلى الشفرة فأخذها ثم أمرها على حلق الداجن ثم نصب القدر، قالت: فلم أكلمه حتى قمت إلى ابني الصغير فاحتضنته فأتيت به بعض بيوت الجيران فخبأته عندهم، ثم أقبلت مغتمة لما رأيت، ثم صعد على بعض تلك النخلات فأنزل رطبا ثم قال:
[ ص: 272 ] يا أمه! ادني فكلي، قلت: لا أريد، ثم مضى في بعض حوائجه وترك القدر فإني لمنكبة على بليس عندي إذ ذهب بي النوم فإذا أنا بآت قد أتاني، فقال: ما لك مغتمة؟ فقلت: لكذا وكذا، ولأن ابني صنع كذا وكذا، فنادى يا رؤياه يا رؤياه! فجاءت امرأة شابة حسنة الوجه طيبة الريح، فقال: ما أردت من هذه المرأة الصالحة، قالت: ما أردت منها شيئا، فنادى: يا أضغاث يا أضغاث! فأقبلت امرأة سوداء الخلقة وسخة الثياب دونها، فقال: ما أردت من هذه المرأة؟ قالت: رأيتها صالحة فأردت أن أغمها، قالت: ثم انتبهت فإذا ابني أقبل، فقال: يا أمه! أين أخي؟ قلت: لا أدري حبا إلى بعض الجيران، قالت: فذهب يمشي لهو أهدى إلى موضعه حتى أخذه وجاء به فقبله، ثم قعد فأكل وأكلت معه.
قال القاضي : قوله: في الخبر وترك لي ماهنا وداجنا، الماهن: الخادم، ويقال: مهن الرجل مهنة ومهنة، وفلان في مهنة أهله ومهنة أهله، والفتح عند كثير من أهل اللغة أعلى، ويقال: مهن مهانة من الهوان، ومن المهان بمعنى الخادم، قول الشاعر:
وهزئن مني أن رأين مويهنا تبدو عليه شتامة المملوك
وأما الداجن فهي الشاة من شياه البيوت التي تعلف، وجمهور الفقهاء لا ترى في دواجن الشاء زكاة، وهو مذهب عامة أهل العراق وبه نقول، وقد أوجب عدد من فقهاء الحجاز كما أوجبها الجميع في سوائمها، واختلافهم في عوامل الإبل والبقر كاختلافهم في دواجن الغنم، وكلامنا في هذا على استقصاء الحجج مرسوم فيما ألفناه من كتبنا في الفقه. الزكاة في دواجن الغنم،
وقول المرأة: وإني لمتكئة على بلس لي، البلس: بعض ما يكون في رحل القوم من المتاع الذي يتكأ عليه، وهو اسم أعجمي لا أعرفه في العربية وأراه بالرومية، وقد استعمل على تولده قديما وحديثا فروي في خبر ذكر أن أبا جعفر الجمحي نظر بين الحسن بن زيد ومحمد بن عبد العزيز ، فقال: إنه أقامني على البلس يعني الحسن، فكأنه اسم لما يعلى عليه من كراسي أو ما أشبهه.
ومما انتهى إلينا من عجائب أخبار الرؤيا ما يتعب جمعه وتصعب الإحاطة به، وإذا عثرنا منه على شيء أتيناه في مستقبل مجالسنا مما تيسر منه؛ إذ لم نبن كتابنا هذا على استقصاء نوع نوع مما يشتمل عليه، وإنما نأتي منه بأبواب ممتزجة، وأجناس موشحة، والخروج من قصة إلى قصة.