الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر زيد بن موسى المعروف بالنار

وقد حدثنا عبد الله بن منصور الحارثي ، قال: أخبرنا الغلابي ، قال: حدثنا رجاء بن مسلمة ، قال: حدثني زيد بن موسى بن جعفر ، قال: لما أدخلت على المأمون وبخني، ثم قال: اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن ، فجيء بي إلى الرضا فتركت بين يديه ساعة واقفا ثم رفع رأسه إلي، فقال: يا زيد سوءة لك، ما أنت قائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سفكت الدماء وأخفت السبيل، وأخذت المال من غير حله؟ لعلك غرك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار، ويلك! إنما هذا لمن خرج من بطنها الحسن والحسين فقط لا لي ولك، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله فإن أردت أن تنال بمعصية الله تعالى ما نالوه بطاعة الله عز وجل إنك إذا لأكرم على الله عز وجل منهم.  

زيد هذا امرؤ يعرف بزيد النار ، وله أخبار، وقد كان بعض ولده قدم من بلاد العجم إلى العراق ونوزع في نسبه، وكان له حجج في دعوته كانت مني معونة له، فهذا الذي حكى لنا عن الرضا هو اللائق بفضله وديانته ونبله ونباهته، وشرفه ونزاهته، وقد اتبع في سبيل سلفه، واهتدى بالمصطفين من آبائه المكرمين بالنبوة والإمامة، صلوات الله عليهم، وقد أوضح هذا المعنى كتاب الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ، فانظر إلى ما قاله في خير الناس عنده وأسعاهم في مرضاته، وأعلمهم بطاعته، وأتقاهم له، وأورعهم عن محارمه، وأعرفهم به، وأحفظهم لحدوده، وأعلمهم بشرائعه، وأفقههم في دينه، وأنصحهم لخلقه، وأكرمهم عليه؛ إعلاما منه لعباده، أنه لا محاباة لديه فذكر أمكن الرسل عنده، قصدا إلى تحذير خلقه، وتخويف عباده، وكذلك قوله تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

[ ص: 295 ] فخصه بخطابه وهو يريد غيره؛ تشريفا له وتعظيما لقدره، ودلالة على خطر ما ذكره له، كما خصه بقوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وهكذا قص علينا في أمر غيره من علية أنبيائه ورسله، فذكر تعالى جده في السورة التي يذكر فيها الأنعام خليله إبراهيم عليه السلام، ثم قال: ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده .

التالي السابق


الخدمات العلمية