الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
نصائح غالية للأحنف بن قيس

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : أخبرنا أبو عمرو ، عن الثوري ، قال : أخبرني رجل من أهل البصرة ، عن رجل من بني تميم ، قال حضرت مجلس الأحنف بن قيس وعنده قوم مجتمعون في أمر لهم ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : إن من الكرم منع الحرم ، ما أقرب النقمة من أهل البغي ، لا خير في لذة تعقب ندما ، لن يهلك ولن يفتقر من زهد ، رب هزل قد عاد جدا ، من أمن الزمان خانه ، ومن تعظم عليه هانه ، دعوا المزاح فإنه يورث الضغائن ، خير القول ما صدقه الفعل ، واحتملوا لمن أدل عليكم ، واقبلوا عذر [ ص: 308 ] من اعتذر إليكم ، أطع أخاك وإن عصاك ، وصله وإن جفاك ،  أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك ، وإياك ومشاورة النساء ، واعلم أن كفر النعمة لؤم ، وصحبة الجاهل شؤم ، ومن الكرم الوفاء بالذمم ، ما أقبح القطيعة بعد الصلة ، والجفاء بعد اللطف ، وأقبح العداوة بعد الود ، لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان ، ولا إلى البخل أسرع إلى البذل ، واعلم أن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك ، فأنفق في حق ، ولا تكونن خازنا لغيرك ، وإذا كان الغدر في الناس موجودا فالثقة بكل أحد عجز ، اعرف الحق لمن عرفه لك ، واعلم أن قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل .

قال : فما رأيت كلاما أبلغ منه . فقمت وقد حفظته .

قال القاضي : هذا لعمري من أشرف الكلام وأبلغه وأحسنه ، وأبلغ الخطاب وأبينه ، فرحم الله أبا بحر كيف أشار بالرشد ، وهدى إلى القصد ، وما فصل من فصول خطبته هذه إلا وقد وردت الآثار بما يؤيده ، مع ما في العقول مما يدعو إليه ويؤكده ، ومجالسنا هذه تتضمن كثيرا مما ورد في معناه ، إن شاء الله ، وأيد بعونه وتوفيقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية