حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : أخبرنا أبو حاتم ، عن عن الأصمعي ، يونس ، عن قال : أبي عمرو ، الحجاج - إذ كان يقاتل شبيبا والحرورية بالعراق - إلى صاحب أهل دمشق ، فلما أتاه ، قال له : اطلب لي من أصحابك رجلا جليدا بئيسا ذا عقل ورأي ، فقال : أصلح الله الأمير ، وما أحسبني إلا وقد أصبته ، إن في أصحابي رجلا من حكم بن سعد يقال له : الجراح جلد صحيح العقل يعد ذلك من نفسه ، يعني البأس ، قال : فابعث إليه فلما رآه الحجاج قال له : أدن يا طويل ، فلم يزل يقول له ذلك ويشير إليه بيده حتى لصق به أو كاد ، ثم قال : اقعد ، فقعد تحك ركبته ركبته ، وليس عنده غيره ، ثم قال له : قم الساعة إلى فرسك فاحسسه وأعلفه وأصلح منه ، ثم خذ سرجه ولجامه ، وسلاحك فضعه عند وتد فرسك ، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه ، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك واخرج حتى تأتي إلى عسكر أعداء الله تعالى تعاينهم وتنظر إلى حالاتهم وما هم عليه ، ثم تصبحني غدا ، ولا تحدثن شيئا حتى تنصرف ، فإذا انصرفت إلى أصحابك فلا تخبرهم بما عهدته إليك . بعث
فنهض الجراح ، فلما أتى أصحابه وهم متشوفون له سألوه عن أمره ، فقال : سألني الأمير عن أمر أهل دمشق ، واعتل لهم به ، ثم فعل ما أمره به الحجاج ، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم ، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله ، فعلم الجراح أنه عين العدو يريد مثل الذي خرج له فتواقفا وتساءلا ، ثم شد عليه الجراح فقتله ، وأوثق فرسه برحله ، ثم نفذ إلى العسكر الذي فيه القوم فعاينه ، وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به ، ثم انصرف إلى القتيل فاحتز رأسه وأخذ سلاحه وجنب فرسه ، وعلق الرأس في عنق فرسه ، ثم أقبل .
وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه ، وأمر بالأستار فرفعت وهو متشوف منتظر الجراح ، وجعل يرمي بطرفه إلى الناحية التي يظن أنه يقبل منها ، فبينا هو كذلك إذ أقبل الجراح يجنب الفرس والرأس منوط في لبان فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفيه : فعلت [ ص: 313 ] ما أمرتك به ؟ قال : نعم ، وما لم تأمرني ، حتى وقف بين يديه وسلم ، ثم نزل وحدث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم ، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره ، وقال له الحجاج : انصرف فانصرف ، فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح ، معهم رواق وفرش وجارية وكسوة ، فدلوا على رحله ، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشا وأقعدوا فيه الجارية ، ثم أتوه فقالوا : انهض إلى صلة الأمير وكرامته ، فلم يزل الجراح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية فاستشهد ، قتلته الخزر .
قال أبو حاتم : الجراح مولى مسكان أبي هانئ أي أبي نواس ، وذلك عني أبو نواس بقوله حيث يقول :
يا شقيق النفس من حكم نمت عن ليلي ولم أنم
معنى البئيس واللبانقال القاضي : في هذا الخبر : فاطلب لي من أصحابك رجلا جليدا بئيسا ، البئيس : الشجاع الشديد في الحرب ، وهو من البأس ، والبأس : الحرب قال أبو كبير الهذلي في البئيس :
ومعي لبوس للبئيس كأنها قرن بجبهة ذي نعاج مجفل
يدعون عنتر والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه وشكا إلي بعبرة وتحمحم
قض اللبانة لا أبا لك واذهب والحق بأسرتك الكرام الغيب
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوض لا نتفرق
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن أخاها ولم أرضع لها بلبان