مجنون بني سعد
حدثنا محمد بن القاسم الأنباري إملاء من حديثه سنة ست وعشرين وثلثمائة، قال: حدثني قال: حدثنا محمد بن المرزبان، محمد بن سعيد بن صالح اليشكري، قال: حدثنا محمد بن محب المازني، قال: حدثني أبي، قال: لما قدم سليمان بن علي البصرة واليا عليها قيل له: إن بالمربد رجلا من بني سعد، مجنونا سريع الجواب لا يتكلم إلا بالشعر، فأرسل إليه سليمان بن علي قهرمانه، فقال له: أجب الأمير، فامتنع فجره وزبره، وخرق ثوبه، وكان المجنون يستقي على ناقة له فاستاق القهرمان الناقة وأتى بها سليمان بن علي، فلما وقف بين يديه قال له سليمان، حياك الله يا أخا بني سعد، فقال:
حياك رب الناس من أمير يا فاضل الأصل عظيم الخير إني أتاني الفاسق الجلواز
والقلب قد طار به اهتزاز
ما قال شيئا في شراء الناقه وقد أتى بالجهل والحماقة
خرق سربالي وشق بردتي وكان وجهي في الملا وزيني
أبيعها بعد ما أوكس والبيع في بعض الأوان أكيس
شراؤها عشر ببطن مكه من الدنانير القيام السكه
ولا أبيع الدهر أو أزاد إني لربح في الورى معتاد
خذها بعشر وبخمس وازنه فإنها ناقة صدق مازنه
تبارك الله العلي العالي تسألني الحط وأنت الوالي
فأين ربي ذو الجلال الأفضل إن أنت لم تخش الإله فافعل
والله ما ينعشني ما تعطي ولا يداني الفقر مني حطي
خذه بما أحببت يا بن عباس يا بن الكرام من قريش الراس
إن رمتني نحوك الفجاج أبو عيال معدم محتاج
طاوي المعى ضيق المعيش فأنبت الله لديك ريشي
شرفتني منك بألف فاخرة شرفك الله بها في الآخرة
وكسوة طاهرة حسان كساك ربي حلل الجنان
فقال سليمان: من يقول إن هذا مجنون؟ ما كلمت قط أعرابيا أعقل منه.
قول الأعرابي: ضيق المعيش، المعيش جمع معيشة، كما قال رؤبة:
أشكو إليك شدة المعيش ومر أعوام نتفن ريشي
قال القاضي أبو الفرج: قد أنهينا هذا المجلس إلى هنا لئلا يستطال، إذ قد تقدمته خطبة ورسالة، والله المستعان.