الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كيف تختار أصدقاءك ؟  

حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو أحمد الختلي ، قال : سمعت محمد بن عمر البزاز ، يذكر عن محمد بن عباد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة قال علقمة بن لبيد العطاردي ، لابنه : يا بني ! إن نزعتك إلى صحبة الرجال حاجة ، فاصحب من إن صحبته زانك ، وإن خدمته صانك ، وإن عركت به مانك . من إن قلت صدق قولك ، وإن صلت سدد صولك ، يزاول عنك من رام ونالك . من إن مددت يدك يصل مدها ، وإن بدرت منك ثلمة سدها ، وإن رأى منك حسنة عدها . من إن سألته أعطاك ، وإن سكت عنه ابتدأك . من إن نزلت بك إحدى ملمات الزمان آساك ، من لا تأتيك منه البوائق ، ولا تختلف عليك من الطرائق ، ولا يخذلك عند الحقائق . من إن حاولت حويلا أمرك ، وإن تنازعتما منفسا آثرك .

قوله : إن حاولت حويلا أي رمت أمرا طالبا ومنازعا أمرك ، ويتجه في قوله : أمرك وجهان ، أحدهما : أن يأمرك بالصواب فيه ، ويشير عليك بركوب الحزم فيما تحاوله ، ويرشدك إلى وجه الرأي في التأتي له . والوجه الثاني : أن يكون معنى قوله : أمرك كثرك فيما تحاوله ، وأيدك فيما تجاذبه وتزاوله ، وأمدك بقوته ، ورفدك بمعونته ، من قولهم : قد أمر بنو فلان : أي كثروا ، كما قال لبيد :


إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا يوما يصيروا للذل والعار

وقال آخر :


أم عيال ضنؤها أمر     لو نحرت لضيفها عشر جزر

[ ص: 326 ]

لأصبحت من لحمهن تعتذر



وقد تؤول قول الله عز وجل أمرنا مترفيها على وجهين في قراءة الجماعة ، والوجهان : أمرنا أي أمروا بالطاعة ففسقوا ، وقيل : فيه أكثرنا ، وقرئ أمرنا من الإمارة ، وأمرنا بمعنى أكثرنا ، وروي عن الحسن أنه قال : أمرنا بكسر الميم على معنى أكثرنا ، وأنكر الفراء هذه القراءة وذكر أن أمر لا يتعدى إلى مفعول . وحكى أبو زيد التعدي في هذا الفعل عن العرب ، فصحت قراءة الحسن من جهة العربية ، وإن شذت عما نقلته الجماعة في هذه الكلمة من القراءة .

واستقصاء هذا الفعل وتلخيصه ، في موضعه من كتبنا في علوم التنزيل والتأويل .

التالي السابق


الخدمات العلمية