عبد الملك يتوسم الخلافة بأمور في نفسه
حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : أخبرنا أبو حاتم ، عن عن العتبي ، أبي عبيدة ، عن عمارة العقيلي ، أو غير رجل عن عمارة ، قال : كنا نجلس عند الكعبة يجالسنا من رجل عذب اللسان لا يمل جليسه حديثه ، فقال لي ذات يوم : يا وعبد الملك بن مروان إنك إن عشت فسترى الأعناق إلي مادة ، والآمال إلي سامية . أبا إسحاق !
ثم قام فنهض من عندنا ، فأقبلت على جلسائي فقلت : ألا تعجبون من هذا القرشي ! يذهب بنفسه إلى معالي الأمور ، وإلى أشياء لعله لا ينالها ، قال : فلا والله ما ذهبت الأيام حتى قيل لي : إنه قد أفضيت إليه الخلافة ، فذكرت قوله ، فتحملت إليه فوافيت دمشق يوم الجمعة ، فدخلت المقصورة فإذا أنا به وقد خرج علي من الخضراء ، فصعد المنبر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ، فبينما هو يخطب إذ نظر إلي ثم أعرض عني ، فساءني ذلك ، ونزل فصلى بنا ودخل الخضراء .
[ ص: 336 ] فما جلست إلا هنيهة حتى خرج غلامه قائلا : أين عمارة العقيلي ؟ قلت : هأنذا ، قال : أجب أمير المؤمنين فدخلت إليه فسلمت عليه بالخلافة فقال لي : أهلا وسهلا ، وناقة ورحلا ، كيف بعدي كنت ؟ وكيف كنت في سفرك ؟ وكيف من خلفت ؟ لعلك أنكرت إعراضي عنك فإن ذلك موضع لا يحتمل إلا ما صنعت ، يا غلام ! بوئ له بيتا معي في الدار ، فأنزلني بيتا فكنت آكل معه وأسامره حتى مضت لي عشرون يوما ، فقال لي : يا قد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وأمرنا لك بحملان وكسوة فلعلك قد أحببت الإلمام بأهلك ثم الإذن في ذلك إلينا ، أتراني حققت أملك يا أبا إسحاق ! قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنك لذاكر لذلك ؟ ! ، قال : إي والله ، وإن تمادى به عهد ، قلت : يا أمير المؤمنين ! أكان عندك عهد ما قلت لي ، أم ماذا ؟ قال : بثلاث اجتمعن في ، منها إنصافي جليسي في مجلسي ، ومنها أني ما خيرت بين أمرين قط إلا اخترت أيسرهما ، ومنها : قلة المراء . أبا إسحاق ؟