الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
عبد الملك يتوسم الخلافة بأمور في نفسه  

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد ، قال : أخبرنا أبو حاتم ، عن العتبي ، عن أبي عبيدة ، عن عمارة العقيلي ، أو غير رجل عن عمارة ، قال : كنا نجلس عند الكعبة وعبد الملك بن مروان يجالسنا من رجل عذب اللسان لا يمل جليسه حديثه ، فقال لي ذات يوم : يا أبا إسحاق ! إنك إن عشت فسترى الأعناق إلي مادة ، والآمال إلي سامية .

ثم قام فنهض من عندنا ، فأقبلت على جلسائي فقلت : ألا تعجبون من هذا القرشي ! يذهب بنفسه إلى معالي الأمور ، وإلى أشياء لعله لا ينالها ، قال : فلا والله ما ذهبت الأيام حتى قيل لي : إنه قد أفضيت إليه الخلافة ، فذكرت قوله ، فتحملت إليه فوافيت دمشق يوم الجمعة ، فدخلت المقصورة فإذا أنا به وقد خرج علي من الخضراء ، فصعد المنبر فحمد الله جل وعز وأثنى عليه ، فبينما هو يخطب إذ نظر إلي ثم أعرض عني ، فساءني ذلك ، ونزل فصلى بنا ودخل الخضراء .

[ ص: 336 ] فما جلست إلا هنيهة حتى خرج غلامه قائلا : أين عمارة العقيلي ؟ قلت : هأنذا ، قال : أجب أمير المؤمنين فدخلت إليه فسلمت عليه بالخلافة فقال لي : أهلا وسهلا ، وناقة ورحلا ، كيف بعدي كنت ؟ وكيف كنت في سفرك ؟ وكيف من خلفت ؟ لعلك أنكرت إعراضي عنك فإن ذلك موضع لا يحتمل إلا ما صنعت ، يا غلام ! بوئ له بيتا معي في الدار ، فأنزلني بيتا فكنت آكل معه وأسامره حتى مضت لي عشرون يوما ، فقال لي : يا أبا إسحاق ! قد أمرنا لك بعشرين ألف دينار وأمرنا لك بحملان وكسوة فلعلك قد أحببت الإلمام بأهلك ثم الإذن في ذلك إلينا ، أتراني حققت أملك يا أبا إسحاق ؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، وإنك لذاكر لذلك ؟ ! ، قال : إي والله ، وإن تمادى به عهد ، قلت : يا أمير المؤمنين ! أكان عندك عهد ما قلت لي ، أم ماذا ؟ قال : بثلاث اجتمعن في ، منها إنصافي جليسي في مجلسي ، ومنها أني ما خيرت بين أمرين قط إلا اخترت أيسرهما ، ومنها : قلة المراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية