حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال حدثني محمد بن الحسين عن قال : حدثني سليمان بن أحمد عبد الله بن محمد بن حبيب معاوية لما حج مر بالمدينة فلقيه فقال : آدني على عبد الله بن الزبير فقد تزايد خطله ، وذهب به جهله إلى غاية تقصر عنها الأنوق ، ودون قرارها العيوق ، فقال الوليد بن عتبة معاوية : والله ما يزال أحدكم يأتيني يغلي جوفه غلي المرجل على ابن عمه ، فقال ابن الزبير : أما والله ما ذاك عن فرار منه ولا جبن عنه ، ولقد علمت قريش أني لست بالفه الكهام ولا بالهلباجة النثر ، فقال له معاوية : إنك لتهددني وقد عجزت عن غلام من قريش لم يبر في سباق ولا ضرب في سياق ، وإن شئت خلينا بينك وبينه ، فقال ابن الزبير : ما مثلي يهارش به ، ولكن عندك من قريش والأنصار ومن ساكني الحجون والآطام من إن سألت حملك على محجة أبين من ظهر الجفير ، قال : ومن ذلك؟ قال : هذا ، يعنيأبا الجهم بن حذيفة ، فقال معاوية : تكلم يا أبا الجهم . فقال : أعفني ، قال : عزمت عليك لتقولن ، قال : نعم أمك هند ، وأمه أسماء بنت أبي بكر خير من وأسماء هند ، وأبوك أبو سفيان وأبوه الزبير ، ومعاذ الله أن يكون أبو سفيان مثل الزبير ، وأما الدنيا فلك وأما الآخرة فله ، إن شاء الله . أن
شرح النص السابق
قال القاضي أبو الفرج : قول ابن الزبير لمعاوية : آدني على الوليد معناه أعدني ، وزعم بعضهم أن فلانا يستأدي على فلان أفصح من يستعدي ، وهما عندي سواء . وقد روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أعدني على رجل من أصحابك ، وقوله : تقصر عنها الأنوق ، يعني الرخم وهو يرتاد لبيضه شوامخ الجبال وحيث يبعد متناوله ويخفى مكانه ، فلا يكاد إنسان يجده أو يصل إليه ، والعرب تضرب المثل في من طلب ما يعز وجوده ويتعذر إدراكه ونيله فيقولون :
[ ص: 434 ] إنه يطلب بيض الأنوق . وقد روي لنا أن رجلا سأل معاوية حاجة معتاصة مستثقلة فرده عنها ، فسأله حاجة هي أيسر منها إلا أن فيها استصعابا ، فقال معاوية :
طلب الأبلق العقوق فلما لم ينله أراد بيض الأنوق
والأبلق : الفرس ، والعقوق : ذات الحمل ، وذلك في الذكر مستحيل . وبيض الأنوق ما فسرنا؛ فلما طلب هذا الرجل أمرا مستبعدا لا سبيل إليه ، ثم طلب ما ينال على صعوبة لما منع ما لا مطمع له فيه ، ضرب معاوية هذا البيت مثلا له . وهذا من المثال القريب والتشبيه المصيب . وأما العيوق فنجم عال معروف . وأما فمعنى الفهاهة في الكلام ما يأتي على غير استقامة ، ويقال : أتى فلان في قوله بفهة ، أي بقول ساقط في لفظه ومعناه . وأما الكهام فالكليل ، يقال : سيف كهام إذا كان نابيا كليلا . وأما قوله : لست بالفه : وأما النثر فذو الرأي السخيف واللب الضعيف . كما قال الشاعر : الهلباجة فالأحمق .هذريان هذر هذاءة موشك السقطة ذو لب نثر
أبر على الخصوم فليس خصم ولا خصمان يغلبه جدالا
ولبس بين أقوام فكل أعد له الشغازب والمحالا
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر
هيجتني إلى الحجون شجون ليته قد بدا لعيني الحجون
وخفت نواها من جنوب عنيزة كما خف من نبل المرامي جفيرها
[ ص: 435 ]