حدثنا قال: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، حسين بن علي بن مهران، قال: حدثنا عامر بن فرات، عن أسباط، عن السدي، قال: كان ملك وكان له ابن يقال له الخضر، وإلياس أخوه - أو كما قال - فقال إلياس للملك: إنك قد كبرت وابنك الخضر ليس يدخل في ملكك، فلو زوجته ليكون ولده ملكا بعدك؟ فقال: يا بني تزوج، فقال: لا أريد، قال: لا بد لك، قال: فزوجني، فزوجه امرأة بكرا، فقال لها الخضر: إنه لا حاجة لي في النساء فإن شئت عبدت الله عز وجل معي فأنت في طعام الملك ونفقته، وإن شئت طلقتك، قالت: بل أعبد الله معك، قال: فلا تظهري سري فإنك إن حفظت سري حفظك الله، وإن أظهرت عليه أهلك أهلكك الله، فكانت معه سنة لم تلد، فدعاها الملك فقال: أنت شابة وابني شاب فأين الولد وأنت من نساء ولد؟ فقالت: إنما الولد بأمر الله تعالى، فدعا الخضر فقال: أين الولد يا بني، فقال: الولد بأمر الله تعالى، فقيل للملك: لعل هذه المرأة عقيم لا تلد، فزوجه امرأة قد ولدت، فقال للخضر: طلق هذه، قال: لا تفرق بيني وبينها فقد اغتبطت بها، فقال: لا بد، فطلقها، ثم زوجه ثيبا، قد ولدت، فقال لها [ ص: 59 ] الخضر كما قال للأولى، فقالت: بل أكون معك، فلما كان الحول دعاها فقال: إنك ثيب قد ولدت قبل ابني فأين ولدك، فقالت: هل يكون الولد إلا من بعل؟ وبعلي منشغل بالعبادة ولا حاجة له في النساء فغضب الملك وقال: اطلبوه، فهرب فطلبه ثلاثة فأصابته اثنان منهم فطلب إليهما أن يطلقاه فأبيا، وجاء الثالث فقال: لا تذهبا به فلعله يضربه وهو ولده فأطلقاه، ثم جاءا إلى الملك فأخبره الاثنان أنهما أخذاه وأن الثالث أخذه منهما، فحبس الثالث، ثم فكر الملك فدعا الاثنين فقال: أنتما خوفتما ابني حتى هرب، فذهب فأمر بهما فقتلا، ودعا بالمرأة فقال لها: أنت هربت ابني وأفشيت سره، ولو كتمت عليه لأقام عندي، فقتلها وأطلق المرأة الأولى والرجل، فذهبت فاتخذت عريشا على باب المدينة وكانت تحتطب وتبيعه وتتقوت بثمنه، فخرج رجل من المدينة فقير الحال فقال: باسم الله، فقالت المرأة: وأنت تعرف الله؟ قال: أنا صاحب الخضر، قالت: وأنا امرأة الخضر، فتزوجها وولدت له، وكانت ماشطة ابنة فرعون، فقال أسباط، عن عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، أنها بينما هي تمشط ابنة ابن عباس، فرعون سقط المشط من يدها، فقالت: سبحان ربي، فقالت ابنة فرعون: أبي؟ قالت: لا ربي ورب أبيك، قالت: أخبر أبي؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعا بها، وقال: ارجعي، فأبت فدعا بنقرة من نحاس فأخذ بعض من ولدها فرمى به في النقرة وهي تغلي، ثم قال: ترجعين؟ قالت: لا، فأخذ الولد الآخر حتى ألقى الأولاد أجمعين، ثم قال لها: ترجعين؟ قالت: لا، فأمر بها، قالت: إن لي حاجة، فقال: وما هي؟ قالت: إذا ألقيتني في النقرة تأمر بالنقرة أن تحمل ثم تطفأ في بيتي بباب المدينة وتنحي النقرة وتهدم البيت علينا حتى تكون قبورنا، فقال: نعم إن لك علينا حقا، قال: ففعل بها ذلك، قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: ابن عباس: جبريل! ما هذا؟ قال: هذا ريح ماشطة ابنة فرعون وولدها". "مررت ليلة أسري بي فشممت رائحة طيبة، فقلت: يا
التعليق على الخبر
قال القاضي: في هذين الخبرين عظة ومعتبر، وتنبيه لمن عقل ومزدجر، وفيما اقتضى فيها ما دعا ذوي النهى إلى الصدق وحفظ الأمانة، وحذر من ركوب الغدر والخيانة، وفي خزن السر وحياطته، وصونه وحراسته ما لا يحيل على الألباء وفور فضيلته، كما لا يذهب عليهم ما في إفشائه وإضاعته، من سقوط القدر، وقبيح الذكر، وما يكسب صاحبه من حطه عن منزلة من يشرف ويعتمد عليه، ويؤتمن ويركن في جلائل الخطوب إليه، والناس في هذين الخلقين المتناقضين معافى مكرم، ومبتلى مذمم، وقد قال بعض من افتخر بالخلق الكريم منها:
وأطعن الطعنة النجلاء عن عرض وأكتم السر فيه ضربة العنق
وقال بعض من خالف هذه صفته، وسلك خلاف محجته:[ ص: 60 ]
ولا أكتم الأسرار لكن أذيعها ولا أدع الأسرار تغلي على قلبي
وذكرت من النوع الذي تضاد فيه فريقان فيما وصف به كل واحد منهما نفسه، شيئا أحببت أن أثبته فيما ها هنا، وإن كان بابه أوسع من أن يستوعى، وأكثر من أن يستغرق ويستوفى، وهو ما روي لنا أن منفوسة بنت زيد الفوارس لما أهديت إلى قربت إليه إهداء، فقال لها: أين أكيلي؟ فلم تدر ما يقول لها، فأنشأ يقول: قيس بن عاصم
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا طارقا أو جار بيت فإنني أخاف ملامات الأحاديث من بعدي
وإني لعبد الضيف ما غير ذلة وما في إلا ذاك من شيم العبد
لبيني وبين المرء بما قال بون في الفعال بعيد قيس بن عاصم
وإنا لنجفو الضيف من غير عسرة مخافة أن يغرى بنا فيعود