الرشيد ولحم الجزور
حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدثنا أبو العالية الشامي عن إبراهيم بن المهدي أنه كان يتغدى مع الرشيد في يوم شات ، وأن الرشيد سأل صاحب المطبخ : هل عنده برمة من لحم الجزور؟ فأعلمه أن عنده عدة ألوان منه ، فأمر بإحضار ما عنده منه ، فقدمت إليه صحفة ومد يده إلى لقمة منها فأدخلها في فيه ، فلما حرك لحييه عليها مرتين ضحك جعفر بن يحيى ، فسأله الرشيد عن سبب ضحكه ، وأمسك عن المضغ ، فقال : ذكرت كلاما دار بيني وبين جاريتي البارحة فضحكت منه ، فقال له الرشيد : هذا محال ، فأخبرني عن السبب بحقي عليك ، فقال له جعفر : إذا ابتلع أمير المؤمنين لقمته حدثته السبب ، فأخرج لقمته من فيه وألقاها تحت [ ص: 438 ] المائدة ، فلما فعل ذلك قال له جعفر بكم يتوهم أمير المؤمنين وألقاها تحت المائدة ، فلما فعل ذلك قال له جعفر : بكم يتوهم أمير المؤمنين أن هذا اللون يقوم عليه؟ فقال له الرشيد : أتوهمه يقوم علي بأربعة آلاف درهم ، فقال له جعفر : والله إن هذا اللون ليقوم عليك بأربع مائة ألف درهم ، فقال : وكيف ويحك؟ فقال جعفر : سأل أمير المؤمنين صاحب المطبخ منذ أكثر من أربع سنين عن برمة من لحم الجزور فأخبره أنه لم يتخذها ، فأنكر ذلك على أمير المؤمنين وقال : لا يفت مطبخي لون يتخذ من لحم الجزور في كل يوم ، فأنا منذ ذلك اليوم أنحر جزورا في كل يوم لأن الخلفاء لا يبتاع لهم لحم الجزور من السوق ، ولم يدع أمير المؤمنين بشيء من لحمها إلى يومه هذا . قال إبراهيم : وكان الرشيد في أول طعامه ولم يكن أكل إلا ملهوجة واحدة ، وكان أشد خلق الله تقززا ، فصعق حين قال له جعفر ما قال ، وضرب بيده اليمنى وفيها الغمر وجهه ومد بها لحيته ثم قال : هلكت ويلك يا هارون ، واندفع يبكي ، وأمر برفع المائدة وطفق يبكي حتى أذنه المؤذنون بصلاة الظهر ، ألف ألف درهم وأن يفرق في كل جانب من جانبي بغداد خمسمائة ألف درهم وأن يفرق في كل مدينة من الكوفة والبصرة خمسمائة ألف درهم ، وقال : لعل الله تعالى أن يغفر لي هذا الذنب . وقام يصلي الظهر ، ثم عاد في مكانه فلم يزل باكيا حتى أذنه المؤذنون بصلاة العصر وقام فصلى : وعاد لمكانه إلى أن قرب ما بين صلاة العصر والمغرب ، فأخبره القاسم بن الربيع مولاه أن أباه يوسف القاضي بالباب فأمره بإدخاله ، فدخل وسلم فلم يرد عليه وأقبل يقول : يا يعقوب هلك هارون ، فسأله يعقوب عن القصة فقال : يخبرك جعفر بها ، وعاد لبكائه . وحضر جعفر فسأله أبو يوسف عن القصة فقال : يخبرك جعفر بها ، وعاد لبكائه . وحضر جعفر فسأله أبو يوسف عن القصة والسبب المخرج للرشيد إلى ما خرج إليه ، فحدثه جعفر عن الجزور التي كانت تنحر في كل يوم طول تلك المدة ومبلغ ما أنفق في أثمانها من الأموال ، فقال له أبو يوسف : أخبرني عن هذه الإبل التي كانت تبتاع بهذه الدراهم هل كانت تترك إذا نحرت حتى تفسد ، ولا تؤكل لحومها حتى تنتن فيرمى بها؟ قال جعفر : اللهم لا ، قال أبو يوسف : فكان يصنع بها ماذا؟ قال : يأكلها الحشم والموالي وعيال أمير المؤمنين ، فقال أبو يوسف : الله أكبر الله أكبر ، أبشر يا أمير المؤمنين بالثواب الجزيل من الله عز وجل على نفقتك ، وأبشر بثواب الله تعالى على ما فتح لك من الصدقة في يومك هذا ، ومن البكاء للتقية من ربك ، فإني لأرجو يا أمير المؤمنين أن فإنه يقول تعالى : لا يرضي الله تعالى من ثوابه على ما قد داخلك من الخوف من سخطه عليك إلا الجنة ، ولمن خاف مقام ربه جنتان وأنا أشهد بالله تعالى أنك خفت مقام ربك ، فسري عن الرشيد وطابت نفسه ووصل بأربعمائة ألف درهم ، ثم صلى المغرب ودعا بطعامه فأكل ، فكان غداؤه في اليوم عشاءه . أبا يوسف
[ ص: 439 ]