الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
صبر أعرابية يفوق صبر الرجال

حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال : أخبرنا عبد الرحمن عن عمه قال : كان بحمى ضرية عجوز من بني أبي بكر بن كلاب يتحدث قومها عن سروها وعقلها ، فأخبرني من حضرها وقد مات ابن لها وقد كان واحدها ، وقد طالت علته فأحسنت تمريضه ، فلما فاظ قعدت بفنائها وحضرها قومها فأقبلت على شيخ منهم فقالت : يا فلان أو يا أبا فلان ما أحق من ألبس العافية وأسبغت عليه النعمة فاعتدلت به الفطرة أن لا يعجز عن التوقي لنفسه قبل حل عقدته ، والحلول بعقوته ، والحيال بينه وبين نفسه ، ثم أنشأت تقول :


هو ابني وأنسى أجره لي وعزني على نفسه رب إليه ولاؤها     فإن أحتسب أوجر وإن أبكه أكن
كباكية لم يغن شيئا بكاؤها

فقال الشيخ : إنا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء فلا يأس رجل في مصيبته ، ولقد كرم صبرك وما أشبهت النساء ، فأقبلت عليه بوجهها وقالت : إنه ما خير امرؤ بين جزع وصبر إلا وجد بينهما نهجين بعيدي التفاوت في حالتيهما ، أما الصبر فحسن [ ص: 549 ] العلانية محمود العاقبة ، وأما الجزع فغير معوض عوضا مع مأثمه ، ولو كانا في صورة رجلين لكان الصبر أولاهما بالغلبة بحسن الصورة وكرم الطبيعة في عاجله في الدين وآجله في الثواب ، وكفى بما وعد الله فيه لمن ألهمه الله إياه
  .

تفسير بعض الألفاظ

قال القاضي : في هذا الخبر أن هذه المرأة قالت : والحيال بينه وبين نفسه ولا يعرف الحيال في هذا الموضع وإنما يقال : حالت الناقة أو الشاة حيالا إذا لم تلقح وهي حائل . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في سبي أوطاس : لا تقربوا حاملا حتى تضع ولا حائلا حتى تحيض .

ومن الحيال قول الشاعر :


قربا مربط النعامة مني     لقحت حرب وائل عن حيال

وقال الفراء : ومن كلام العرب : حائل حول ، إذا تتابع الحيال عليها ثلاثة أعوام .

وأما الحول بين الشيء وغيره من قول الله تعالى : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وقوله : وحال بينهما الموج وقوله : وحيل بينهم وبين ما يشتهون وهذا معنى اللفظة الواردة في هذا الخبر فإنه يقال فيه : حلت بين الرجلين حولا وحؤولا .

وقوله : والحلول بعقوته يقال : ساحة الدار وباحتها وقاعتها وعقوتها كما قال الشاعر :


فمن بعقوته كمن بنجوته     والمستكن كمن يمشي بقرواح

التالي السابق


الخدمات العلمية