الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خطبة للحجاج بعد دير الجماجم

حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكلبي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال حدثنا محمد ، يعني ابن عبيد الله بن عباس ، عن عطاء ، يعني ابن مصعب ، عن عاصم قال : خطب الحجاج أهل العراق  بعد دير الجماجم ، فقال : يا أهل العراق إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف ، ثم أفضى إلى الأصماخ والأمخاخ ، ثم ارتفع فعشش ، ثم باض وفرخ ، ثم دب ودرج ، فحشاكم نفاقا وشقاقا ، وأشعركم خلافا ، اتخذتموه دليلا تتبعونه ، وقائدا تطيعونه ، ومؤامرا تشاورونه ، فكيف تنفعكم تجربة أو [ ص: 567 ] ينفعكم بيان؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر وأجمعتم على الكفر ، وظننتم أن الله عز وجل يخذل دينه وخلافته ، وأنا أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا وتنهزمون سراعا يوم الزاوية بما كان من فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم ونكوص وليكم ، إذا وليتم كالإبل الشاذة عن أوطانها النوازع ، لا يسأل المرء عن أخيه ، ولا يلوي الشيخ على بنيه ، حين عضكم السلاح وتجشمتكم الرماح يوم دير الجماجم ، وما يوم دير الجماجم ، بها كانت المعارك والملاحم؟ :


ضرب يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

يا أهل العراق : الكفرات بعد الفجرات ، والغدرات بعد الخترات ، والنزوة بعد النزوات ، إن بعثناكم إلى ثغوركم غللتم وجبنتم ، وإن أمنتم أرجفتم وإن خفتم نافقتم ، لا تتذكرون نعمة ، ولا تشكرون معروفا . هل استخفكم ناكث أو استغواكم غاو أو استفزكم عاص أو استنصركم ظالم أو استعضدكم خالع إلا لبيتم ثم دعوته وأجبتم صيحته ، ونفرتم إليه خفافا وثقالا وفرسانا ورجالا؟؟! يا أهل العراق : هل شغب شاغب أو نعب ناعب أو زفر زافر إلا كنتم أتباعه وأنصاره؟! يا أهل العراق : ألم تنفعكم المواعظ؟ ألم تزجركم الوقائع؟ ألم يشدد الله عليكم وطأته ويذقكم حر سيفه وأليم بأسه ومثلاته؟! ثم التفت إلى أهل الشام فقال : يا أهل الشام ، إنما أنا لكم كالظليم الرامح عن فراخه ينفي عنها القذر ، ويباعد عنها الحجر ، ويكنها من المطر ، ويحميها من الضباب ويحرسها من الذباب . يا أهل الشام أنتم الجنة والرداء ، وأنتم الملاءة والحذاء ، أنتم الأولياء والأنصار ، والشعار دون الثار ، بكم يذب عن البيضة والحوزة ، وبكم ترمى كتائب الأعداء ويهزم من عاند وتولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية