الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
موقف المتكلمين من الكرامات  

قال القاضي : قد أنكر جماعة من المتكلمين أن يظهر الله تعالى من آياته ما يخرج عن عادات الناس على مرور الزمان وكرور الأيام إلا لنبي ، علما له شاهدا بصدقه ودليلا على صحة نبوته ، أو في زمان نبي ونفوا جواز هذا وأن يؤيد به أحد من الآدميين ليس بنبي وإن كان على غاية الصلاح في دينه ، والطهارة في نفسه وقوة يقينه ، وجمهور المعتزلة من أشد الناس دفعا له وتكذيبا لمن حكى شيئا منه ، وقد كان أبو بكر ابن الإخشيد يجيز هذا إذا جرى على يد من ليس بنبي إذ أيد به على وجه يرجع إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم والشهادة بصحة رسالته وأبو بكر من أماثل المعتزلة في علمه وبيانه ونظره وتدينه . ورأيت بعض من شاهدناه من نظاري المعتزلة وذوي التدين منهم يجيز إظهار مثل ذلك ، هذا للصالحين وعلى أيدي الأبرار المخلصين ، وفي ذكر ما يحتج به لأهل هذا القول وعليهم وإثبات ما روي فيه من الأخبار المستفيضة المنتشرة وما حكي عمن ظهرت عدالته واشتهر علمه وأمانته طول ليس هذا موضع استقصائه ، وليس هذا الباب مما يدفعه عقل ولا نظر ولا سمع ولا خبر .

وقد كان بعض المتكلمين ورواة الأخبار من المتثبتين يجيزون ظهور هذه الحوائج على أيدي الأنبياء والصالحين من أئمتهم وأئمة الدين بعدهم ، ويمنع من ظهورها على من يدعي النبوة كاذبا ويتدين دينا باطلا ، ويذهبون إلى أن في تجويز ذلك إفساد الأدلة والتباس الحجة والتسوية بين ذوي الهدى والضلالة والولاية والعداوة ، وأجازوا ظهور هذه الأشياء على يد من يدعي الربوبية على وجه الفتنة وتغليظ الفتنة ، كالذي روي من أمر الدجال وأنه يتبعه جنة ونار ، وقالوا : ليس في إضلال الناس ولا لبس في دينهم ، لأن الأسنان مرسوم بما لا ينفك منه مما يدل على حدثه وأنه مخلوق كائن بعد أن لم يكن ، فأما الدجال فإنه مع ما فيه من سمة الحدث التي يشارك فيها سائر الناس مرمي بالعاهة الظاهرة لأعين الناظرين ، النافية للشك في أمره عن قلوب العاقلين . وأما النبوة فصدق من يدعيها وكذب من هو مبطل في ادعائها ، فإن هذين الفريقين مشتركان من جهة الخلقة والصورة والهيئة الإنسانية .

التالي السابق


الخدمات العلمية