قال القاضي : يعني البقرة الوحشية ، ويقال للبلورة مهاة ، وكأنه قصد بهذا القول البيان عن الصفاء والحسن والضياء . ويقال ما لهذا العيش مهاة أي نور وبهجة ، كما قال الشاعر : قوله : مثل المهاة البيضاء
[ ص: 577 ]
وليس لعيشنا هذا مهاة وليست دارنا الدنيا بدار
يروى مهاة بتاء في الوصل يوقف عليها بالهاء ، لأنها للتأنيث ، وهي فعلة مثل حصاة ويروى مهاة على أن الهاء أصلية وهي لام الفعل وزنها فعال مثل سفاه . وقوله : أعدلها بالكف أن تميلا قيل معناه : عن أن تميل ، والكوفيون يتأولونه بمعنى لئلا تميل ، وقالوا مثل هذا في قوله تعالى : وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم أنه بمعنى ألا تميد بكم ، وقالوا في قوله عز وجل : يبين الله لكم أن تضلوا معناه أن لا تضلوا . وأنشدوا في هذا قول الشاعر :رأينا ما يرى البصراء فيها فآلينا عليها أن تباعا
وأنكر البصريون هذا وقالوا : المعنى يبين الله لكم كراهية أن تضلوا وحملوا معنى البيت على نحو هذا الوجه .
وقوله : إنها لحمقاء مرغامة إن كانت الرواية هكذا فهو من المراغمة ، وهي المشاقة والمخالفة ، وإن كان الصحيح من الرواية مرعامة بالعين المبهمة فهو من الرعام وهو المخاط . روي وامسحوا رعامها فإنها من دواب الجنة . صلوا في مرابض الغنم فإن كانت الرواية هكذا فإنه وصفها بالحمق ، تقول العرب : أحمق يمتخط بكوعه . ومن قال في الخبر مرغامة بالغين المعجمة فإنه ينبغي أن يقول رغامها بفتح الياء . وقوله : لا تبقى لها حامة أي طائفة تطوف لإفنائها خبز بيتها . وقوله : ولكنها حسناء فلا تفرك زعم أهل العلم باللغة أن العرب تقول : فركت المرأة زوجها تفركه إذا أبغضته ، وأنهم يقولون في الرجل إذا أبغض امرأته : قد صلفت عنده ، ولا يقولون فركها . وقد جاء في هذا الخبر حسناء فلا تفرك فإن كان هذا الكلام محفوظا وكان رواية من يضبط هذا ويوثق بنقله ومعرفته فهو صحيح مستعمل ، مسقط لقول من زعم أنه مرفوض مهمل ، وإن كانت الرواية غير ثابتة فما ذكره اللغويون الذين عنوا بكلام العرب وميزوا مستعمله من مهمله أولى باتباعهم والأخذ بروايتهم وإثبات ما أثبتوه ونفي ما نفوه وأسقطوه . وقد قيل إن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : امرأ القيس كان مفركا أي تبغضه النساء ، ويقال امرأة فارك كما قال متمم بن نويرة :
أقول لهند حين لم أرض فعلها أهذا دلال العشق أم فعل فارك
إذا الليل عن نشز تجلى رمينه بأبصار أمثال النساء الفوارك
[ ص: 578 ]