موعظة علي  لكميل بن زياد  
حدثنا محمد بن أحمد المقدمي  وحدثنا عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن الوراق  وحدثنا  ابن عائشة  قال حدثني أبي عن عمه عن  كميل ،  وحدثني أبي قال حدثنا أحمد بن عبيد  قال حدثنا المدائني ،  والألفاظ في الروايتين مختلطة ، قالا ، قال  كميل بن زياد النخعي :  أخذ  علي بن أبي طالب  كرم الله وجهه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان ، فلما أصحر تنفس ثم قال : يا  كميل  إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، احفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة : عالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق غاو ، يميلون مع كل ريح  لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق . يا  كميل  العلم خير من المال  العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والعلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة . يا  كميل  محبة العالم دين يدان به ، في كسبه العلم لذته في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، ونفقة المال تزول بزواله ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه . يا  كميل  مات خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر :  أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة . إن هاهنا لعلما وأشار إلى صدره لو أصبت له حملة . ثم قال : اللهم بلى أصبته لقنا غير مأمون عليه يستعمل آلة الدين في الدنيا ويستظهر بحجج الله على أوليائه وبنعمه على كتابه ، أو منقادا لجملة الحق لا بصيرة له في إحيائه ، يقدح الزيغ في قلبه بأول عارض من شبهة ، اللهم لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما بالذات ، سلس القياد في الشهوات ، ومغرما بالجمع والادخار ، وليسا من رعاة الدين ، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة ، وكذلك يموت العلم بموت حملته . 
ثم قال اللهم بلى ، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهر مشهور وإما خائف مغمور ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته فيكم ، وأين أولئك؟ أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون قدرا ، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر فباشروا روح اليقين ، واستسهلوها واستوعر المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأرواح معلقة بالمحل الأعلى . يا  كميل ،  أولئك خلفاء الله في أرضه ، الدعاة إلى دينه ، هاه وشوقا إلى رؤيتهم ، أستغفر الله لي ولك . 
				
						
						
