حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن سعيد، أبو علي الكلبي، قال: حدثني إبراهيم بن محمد الدجاجي، قال: حدثني عمرو بن سعيد بن سلم الباهلي، قال: كنت في حرس المأمون بحلوان حين قفل من خراسان أو حين قفل من العراق، - أبو علي يشك - قال القاضي: والصواب قفل من خراسان أو قفل إلى العراق، والقفول الرجوع لا ابتداء السفر، والمأمون رجع من خراسان إلى العراق، بعد قتل الأمين واستتباب الخلافة له، قال: فخرج لينظر إلى العسكر في بعض الليل، فعرفته ولم يعرفني فأغفلته، فجاء من ورائي حتى وضع يده على كتفي، فقال لي: من أنت: قال: عمرو عمرك الله، أسعدك الله، ابن سعيد ابن سلم سلمك الله، فقال: أنت الذي كنت تكلؤنا في هذه الليلة؟ فقلت: الله يكلؤك يا أمير المؤمنين، فأنشأ المأمون يقول:
إن أخاك الحق من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب زمان صدعك
فرق من جميعه ليجمعك
ثم قال: يا غلام! أعطه لكل بيت ألف دينار، فوددت أن تكون الأبيات طالت علي فأجد الغنى، فقلت: يا أمير المؤمنين وأزيدك بيتا من عندي، فقال: هات، فقلت:وإن غدوت ظالما غدا معك
فقال: أعطه لهذا ألف دينار، فما برحت من موقفي حتى أخذت خمسة آلاف دينار.التعليق على الخبر
قال القاضي: فإن قال قائل: كيف أعطى المأمون عن قوله:
فإن غدوت ظالما غدا معك
ولم وافقه على تصويب مساعدته وممالأته، قيل: إنه لم يظهر في قول هذا القائل ما يوجب مظافرة الظالم في عمله، وقوله: غدا معك، يتجه فيه أن يكون معناه غدا معك ليكفك عن الظلم، بالوعظ لك والرق بك والاستعطاف على ما تسول لك نفسك ظلمه، فيصرفك عن الظلم، ويثنيك عن معرة الإثم.[ ص: 88 ] وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فقيل له: يا رسول الله! أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟، قال: "تحجبه عن الظلم فذلك نصرك إياه".