الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أعطه لكل بيت ألف دينار  

حدثنا الحسن بن أحمد بن محمد بن سعيد، أبو علي الكلبي، قال: حدثني إبراهيم بن محمد الدجاجي، قال: حدثني عمرو بن سعيد بن سلم الباهلي، قال: كنت في حرس المأمون بحلوان حين قفل من خراسان أو حين قفل من العراق، - أبو علي يشك - قال القاضي: والصواب قفل من خراسان أو قفل إلى العراق، والقفول الرجوع لا ابتداء السفر، والمأمون رجع من خراسان إلى العراق، بعد قتل الأمين واستتباب الخلافة له، قال: فخرج لينظر إلى العسكر في بعض الليل، فعرفته ولم يعرفني فأغفلته، فجاء من ورائي حتى وضع يده على كتفي، فقال لي: من أنت: قال: عمرو عمرك الله، ابن سعيد أسعدك الله، ابن سلم سلمك الله، فقال: أنت الذي كنت تكلؤنا في هذه الليلة؟ فقلت: الله يكلؤك يا أمير المؤمنين، فأنشأ المأمون يقول:


إن أخاك الحق من يسعى معك


ومن يضر نفسه لينفعك     ومن إذا ريب زمان صدعك


فرق من جميعه ليجمعك

ثم قال: يا غلام! أعطه لكل بيت ألف دينار، فوددت أن تكون الأبيات طالت علي فأجد الغنى، فقلت: يا أمير المؤمنين وأزيدك بيتا من عندي، فقال: هات، فقلت:


وإن غدوت ظالما غدا معك

فقال: أعطه لهذا ألف دينار، فما برحت من موقفي حتى أخذت خمسة آلاف دينار.

التعليق على الخبر

قال القاضي: فإن قال قائل: كيف أعطى المأمون عن قوله:


فإن غدوت ظالما غدا معك

ولم وافقه على تصويب مساعدته وممالأته، قيل: إنه لم يظهر في قول هذا القائل ما يوجب مظافرة الظالم في عمله، وقوله: غدا معك، يتجه فيه أن يكون معناه غدا معك ليكفك عن الظلم، بالوعظ لك والرق بك والاستعطاف على ما تسول لك نفسك ظلمه، فيصرفك عن الظلم، ويثنيك عن معرة الإثم.

[ ص: 88 ] وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" فقيل له: يا رسول الله! أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟، قال: "تحجبه عن الظلم فذلك نصرك إياه".

التالي السابق


الخدمات العلمية