قال القاضي: قوله: محدرج أي سوط محكم جيد الفتل كما قال الشاعر:
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهيم سودا أو محدرجة حمرا
يقال حبل محصد أي: موثق. وقوله: شديد الإحصاد أي قد أحكم واشتد، يصفه بالتثني إذا هز، كما قال الشاعر يصف رمحا: وقوله: لين المهزةتقاك بكعب واحد وتلذه يداك إذا ما هز بالكف يعسل
وأما فإن العود البعير المسن، وعجب الذنب أصله، وهو العصعص، ويقال له القحقح. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قوله: قد أخذ من عجب ذنب عود يبلى من ابن آدم كل شيء إلا عجب الذنب فإنه منه ركب وبدئ خلقه. وروينا عن هذا من طريق [ ص: 614 ] آخر أنه قال في صفة السوط: يؤخذ من صليف العنق إلى عجب الذنب، وصليف العنق صفحته، ويقال: عجم الذنب في هذا بالميم، وهذا مما تعاقبت فيه الباء والميم، كما قالوا ركمة سوء وركبة، وضربة لازب ولازم، في حروف كثيرة، قال الله تعالى: الشعبي إنا خلقناهم من طين لازب ومن اللازب قول نابغة بني ذبيان:
ولا يحسبون الخير لا شر بعده ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وقال كثير في الميم:
وما ورق الدنيا بباق لأهله وما حدثان الدهر ضربة لازم
وفي هذا لغة أخرى وهي لاتب بالتاء والباء، وهي لغة في قيس، وأنشد الفراء:
صداع وتوهيم العظام وفترة وغثي مع الأحشاء في الجوف لاتب
وأما فالجذل الفرح، يقال: قد جذل الرجل يجذل جذلا إذا سر وفرح، فأما الجذل بالإسكان فهو العود المنتصب، وفيه لغتان جذل وجذل، قال قوله: من غير جذل ذو الرمة:
ترى ذكر الحرباء فيها مصليا على الجذل إلا أنه لا يكبر
إذا حول الظل العشي رأيته حنيفا وفي قرن الضحى يتنصر
والحرباء دابة يقال للأنثى منها أم حبين، وهو يقف على العود مستقبل الشمس يدور معها حيث دارت، وقد اختلف في علة هذا، فقال قائلون: هذه دابة مقرورة تتبع الشمس لتستدفئ بها، وقال آخرون: بل تستضر بالشمس فتتقيه برأسها لأنه أقوى ما فيها، والقول الأول أشبه القولين بالصواب عندي.
أي حاجة، قال وقوله: لنا فيها أرب ذو الرمة:
والهم عين أثال ما ينازعه من نفسه لسواها موردا أرب
قال القاضي: وإني لأستحسن قول أبي نواس:
كما لا ينقضي الأرب كذا لا يفتر الطلب
وهذا من أفصح الكلام وأوضحه وأعذبه، ولله در السابق إلى أصل هذا المعنى، القائل:
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
قال القاضي: وقد روينا عن من وجه آخر أنه أجاب الشعبي خنيسا عن قوله: ما هذا؟ بأن قال: بعض الأمر، وهذا جواب حسن بليغ مختصر، وإن كان كما أتت به الرواية موقعها من الحسن والبلاغة.