حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: أخبرنا أبو عيسى الختلي قال: حدثنا أبو يعلى الساجي قال: حدثنا قال: حدثنا الأصمعي أبو نوفل الهذلي عن أبيه قال: ولد عبد الله وكان واليا عتبة بن مسعود رضي الله عنه فولد لعمر بن الخطاب عبد الله: عبيد الله وعونا وعبد الرحمن، فأما عبيد الله فكان من أفقه أهل المدينة وخيارهم، وكان أعمى، فمر عليه عبد الله بن عمرو بن عثمان فلم يسلما عليه، فأخبر بذلك فأنشأ يقول: وعمر بن عبد العزيز
ولا تعجبا أن تؤتيا فتكلما فما حشي لأقوام شرا من الكبر ومسا تراب الأرض منها خلقتما
وفيها المعاد والمصير إلى الحشر
وروينا هذا الخبر من وجه آخر وفيه من شعر عبيد الله زيادة على أبياته هذه، وقد رسمنا ذلك في موضعه. وكان عبيد الله أحد السبعة من فقهاء المدينة الذين جمع ما جمع من فقههم. وأما أبو الزناد فكان من آدب أهل المدينة وأفقههم وكان مرجئا فرجع عن ذلك عون بن عبد الله وأنشأ يقول:
أول ما نفارق غير شك نفارق ما يقول المرجئونا
وقالوا مؤمن من أهل جور وليس المؤمنون بجائرينا
وقالوا مؤمن دمه حلال وقد حرمت دماء المؤمنينا
ثم خرج مع ابن الأشعث فهرب حيث هربوا، فأتى محمد بن مروان بنصيبين فأمنه وألزمه ابنه، فقال له محمد: كيف رأيت ابن أخيك؟ قال: ألزمتني رجلا إن بعدت عنه عتب، وإن أتيته حجب، وإن عاتبته صخب، وإن صاخبته غضب، فتركه ثم لزم وهو خليفة وكانت له منه منزلة. وخرج جرير فأقام بباب عمر بن عبد العزيز فطال مقامه فكتب إلى عمر بن عبد العزيز عون بن عبد الله:
يا أيها القارئ المرخي عمامته هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أني لدى الباب كالمصفود في قرن
وأما عبد الرحمن بن عبد الله فهو الذي يقول:
تأثل حب عثمة في فؤادي فباديه مع الخافي يسير
صدعت القلب ثم ذررت فيه هواك فليط فالتأم الفطور
قال أبو بكر: ليط معناه ألصق. وضم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين إليه وهو على المنبر وقال: إن للولد لوطة، يعني التصاقا بالقلب. وقال الشاعر:
[ ص: 626 ]
سأحبس مالي على لذتي وأؤثر نفسي على الوارث
وأسبق في المال سهمانهم وقول المعوق والرائث
قال أبو بكر: وزادني فيها أبي رحمه الله:
أعاذل عاجل ما أشتهي أحب إلي من اللابث
قال القاضي: الأبيات المنسوبة في هذا الخبر إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة قد رويت لنا من غير وجه عن أخيه عبيد الله، وفيها زيادة وأنشدناها: تغلغل حب عثمة.. والبيت الثاني:
تغلغل حيث لم يبلغ شراب ولا حزن ولم يبلغ سرور
شققت القلب ثم ذررت فيه هواك فليم فالتام الفطور
إذا لم آت أزعجني العتاب وإن وافيت أخجلني الحجاب
وإني حاجب قدري بهجري معززة تذل لها الرقاب
ونعتي أحمر الكبريت عزا وأصلي حين تكرمني التراب
فإن تنصف فأرضك مستقري وإن تظلم فمنزلي السحاب
وما قيل في هذا المعنى كثير، فمما قيل فيه:
لما تنكرت في حجابك رغبت بالنفس عن عتابك
فإن تزرني أزر وإما تقف ببابي أقف ببابك
والله لا كنت في حسابي إلا إذا كنت في حسابك
الكلام الفصيح: لم يكن هذا في حسباني، أي في ظني، وليس يبعد أن يقال في حسابي أي: فيما أعده وأحصيه وأحسبه من الحساب. ومما أنشدناه أيضا ورويناه في خبر مذكور في موضع آخر:
يا أيها الحر الكريم الكافي ليس الحجاب من آلة الأشراف
ولقل من يأتي فيحجب مرة فيعود ثانية بقلب صافي
واستقصاء هذا الباب يطول، وقد أتينا منه بما فيه كفاية.
[ ص: 627 ]