وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ولد الوالد يموت كان له فرطا: الفرط السابق المتقدم كأنه يقول: إنه يتقدم أباه سابقا له إلى الجنة منتظرا له. وقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطفل أنه يظل بباب الجنة يقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي.
وروي عنه أن السقط يكون بباب الجنة كذلك. يقال للذي يتقدم القوم في مسيرهم لارتياد الماء وإعداده لهم هو فارط القوم، قال الشاعر: وأصل الفروط التقدم،
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجل فراط لوراد
وقال آخر:
[ ص: 631 ]
فأثار فارطهم حماما جثما أصواتها كتراطن الفرس
وقال العجاج:
ومنهل وردته التقاطا لم ألق إذ وردته فراطا
إلا الحمام الورق والغطاطا
والأورق الذي يشبه لونه لون الرماد، ويقال بعير أورق وحمامة ورقاء، والجميع ورق، مثل أحمر وحمر وأزرق وزرق، والغطاط ضرب من القطا.
وقال الله عز وجل حاكيا عن نبيه موسى وهارون عليهما السلام قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى المعنى أن يسبق إلينا من بوادر فرعون ما نكرهه. ويقال: فرط من فلان كلام سوء أي سبق وبدر. ويقال في دعاء المصلين على من مات من أطفال المسلمين: اللهم اجعله لنا فرطا، أي: سابقا لنا إلى الجنة ينتظرنا. وروي هذا قبر فرطنا، عثمان بن مظعون: وإنه وضع حجرا عند رأسه، وكان أول من دفن في بقعة ارتادها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله قال لما دفن بقيع الغرقد، وإنه إذا مات الميت بعده قيل: يا رسول الله أين ندفنه؟ يقول: عند فرطنا عثمان بن مظعون. وروي عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أن بالبقيع أسعد بن زرارة، قال أول من دفن الواقدي: هذا قول الأنصار، والمهاجرون يقولون: بالبقيع عثمان بن مظعون. وقال تعالى: أول من دفن لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون . هكذا قول أكثر القراء في معنى أنهم مقدمون إليها يعجلون. وقرأ أبو جعفر المدني وأنهم مفرطون، بكسر الراء وتشديدها على وصفهم بالتفريط، وهو الإضاعة لما فيه نجاتهم، يقال فرط فلان في أمره إذا أهمله وأضاع الأخذ بالحزم فيه، ومن ذلك قول لبيد بن ربيعة العامري:
أقضي اللبانة لا أفرط ريبة أو أن يلوم بحاجة لوامها
وقيل: إن هذا في الأصل من الباب الذي قدمنا ذكره، وفسر معناه بأنه أراد لا أقدم شكا ولا أدع ريبة تتقدمني. وقرأ نافع: " وأنهم مفرطون " بكسر الراء وتخفيفها من الإفراط، يقال أمر مفرط، وقد أفرط الإنسان وغيره إذا تجاوز الحد وصار بذلك مفرطا. وقد يرجع هذا إلى الأصل الذي قدمنا القول فيه وكأنه بدر وسبق إلى تجاوز الحد فصار بذلك مفرطا. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: " أنا فرطكم على الحوض " أي السابق لكم إليه منتظرا ورودكم عليه.