الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
رواية أخرى في خبر الأحوص وزين الغدير

قال القاضي: وقد كان ابن الأنباري أملى علينا خبر الأحوص وزين الغدير بغير هذا الإسناد وعلى مخالفة في مواضع من المتن، فإن كنت قد رسمته فيما مضى من هذه المجالس ففي هذه الرواية زيادة ليست فيه، وإن كان فيما مضى فاتني فإنني آتي بما أحفظه من جملته ليحصل بما أثبته منه ما فيه من زيادة من غير إطالة بذكر إسناده وأعيان ألفاظه، وهو في الرواية التي وصفت أمرها أن يزيد بن الوليد كتب إلى الضحاك بن محمد عامله على المدينة أن وجه إلي الأحوص بن محمد الأنصاري الشاعر ومعبدا المغني، فجهزهما وأمرهما بالمسير، فكانا ينزلان في طريقهما للأكل والشرب إلى أن أتيا البلقاء، وهو منزل بين المدينة والشام، فجلسا هنالك فأكلا، وجلسا على نهرها. فإذا هما بجارية قد خرجت من قصر هنالك ومعها جر، فاستقت فيه من الغدير، ثم إنها ألقت الجر فانكسر فجلست تبكي، فسألاها عن شأنها ولمن كانت، فقالت: لرجل بمكة من قريش، فاشتراني صاحب هذا [ ص: 660 ] القصر، وهو رجل من بني عامر من آل الوحيد، بخمسين ألف درهم، فنزلت من قلبه ألطف منزلة، ثم إنه تزوج ابنة عم لهم فهديت إليها، فكانت تسيء إلي وتكلفني أن أستقي في كل يوم من هذا الغدير بجر، فشكوت ذلك إلى الرجل فقال: إنما أنت أمة وهذه ابنة عمي، فربما ذكرت ما كنت فيه فيسقط الجر من يدي فينكسر فتضربني على هذا، ولما رأيتكما وما أنتما عليه ذكرت ما مضى من أيامي فسقط الجر من يدي، ثم أخذت العود وغنت:  


يا بيت عاتكة الذي أتعزل لحذر العدى وبه الفؤاد موكل     إني لأمنحك الصدود وإنني قسما
إليك مع الصدود لأميل

    ولقد نزلت من الفؤاد بمنزل
ما كان غيرك والأمانة ينزل     ولقد شكوت إليك بعض صبابتي
ولما شكوت من الصبابة أطول     هل عيشنا بك في زمانك راجع
فلقد تفحش بعدك المتعلل     أعرضت عنك وليس ذاك لبغضة
أخشى مقالة كاشح لا يعقل



فقلنا لها: لمن هذا الشعر؟ قالت: للأحوص بن محمد الأنصاري، قلنا: فلمن الغناء؟ قالت: لمعبد المغني. فقال الأحوص: فأنا والله الأحوص، وقال معبد: وأنا والله معبد، فأنشأت تقول:


إن تروني الغداة أسعى بجر     أستقي الماء نحو هذا الغدير
فلقد كنت في رخاء من العيش     وفي ظل نعمة وسرور
ثم قد تبصران ما فيه أصبحت     وماذا إليه صار مصيري
أبلغا عني الإمام وما بلغ     صدق الحديث مثل الخبير
أنني أضرب الخلائق بالعو     د وأحكاهم لبم وزير
فلعل الإله ينقذ مما     أنا فيه فإنني كالأسير
ليتني مت يوم فارقت أهلي     وبلادي وزرت أهل القبور



فقال الأحوص والله لا أبرح حتى أقول فيها شعرا، فقال:


إن زين الغدير من كسر الجر     وغنى غناء فحل مجيد
قلت من أنت يا ظعين فقالت     كنت فيما مضى لآل الوليد
ثم بدلت بعد حي قريش     في بني عامر لآل الوحيد
فغنائي لمعبد ونشيدي     لفتى الناس الأحوص الصنديد
فتبسمت ثم قلت أنا الأح     وص والشيخ معبد فأعيدي
[ ص: 661 ] فأعادت فأحسنت ثم ولت     تتهادى فقلت أم سعيد
يعجز المال عن شراك ولكن     أنت في ذمة الهمام يزيد
إن نذكر بك الإمام بصوت     معبد يزيل حبل الوريد
يفعل الله ما يشاء فظني     كل خير منا هناك وزيدي



ثم ودعاها وانصرفا، فلما دخلا على يزيد قال للأحوص: أنشدني أقرب شعر قلته فأنشده:


إن زين الغدير من كسر الجر     وغنى غناء فحل مجيد



وقال لمعبد: غنني أقرب غناء غنيته، فغناه إن زين الغدير من كسر الجر، فقال: لقد اجتمعتما على أمر، فقصا عليه القصة، فكتب إلى عامله على البلقاء: ابتع هذه الجارية بما بلغت، فابتاعها بمائة ألف درهم وأهداها إلى يزيد فحظيت عنده، وحلت ألطف محل من قلبه. قال: فوالله ما انصرفنا حتى صار إلينا من الجارية مال وخلع وألطاف كثيرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية