حدثنا محمد بن الحسن بن جريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن قال: قدم الراعي على الأصمعي خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ومعه ابن له، فمات ابنه بالمدينة، فلما دخل على خالد سأله عنه فقال: مات بعدما زوجته وأصدقت عنه، فأمر له بدية ابنه وصداقه، فقال الراعي:
وديت ابن راعي الإبل إذ حان يومه وشق له قبرا بأرضك لاحد وقد كان مات الجود حتى نشرته
وأذكيت نار الجود والجود خامد فلا حملت أنثى ولا آب آيب
ولا بل ذو سقم إذا مات خالد
قال القاضي: أراد أديت ديته، يقال: وديت القتيل إذا أديت ديته إلى أهله، ووديت عنه من مالك دية جنايته، وقيل إن هذا مما عابى به قول الراعي " وديت ابن راعي الإبل ": الكسائي محمد بن الحسن فلم يعرف الفرق بينهما.
وأما فإن وجه الكلام في هذا أن يقال: شق شاق ولحد لاحد، ويقال: ألحد ملحد، وذلك أن الشق ما كان من الحفر في وسط القبر، واللحد ما كان في جانبه. بين هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " قوله " وشق له قبرا بأرضك لاحد " اللحد لنا والشق لغيرنا ". ولكنه لما كان اللحد شقا قد ميل به عن الوسط إلى الجانب قال: وشق له. يقال فيه: لحد وألحد في الدين وغيره، من الميل. وقد قرئ باللغتين في القرآن فقرأ الجمهور: وأصل اللحد مأخوذ من الميل، وذروا الذين يلحدون في أسمائه : لسان الذي يلحدون إليه أعجمي إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا [ ص: 668 ] وقرأ الآخرون الأحرف الثلاثة بالفتح؛ وممن قرأ كذلك حمزة. وكان يقرأ التي في الأعراف وحم السجدة بالضم، ويفتح الذي في النحل لوضوح دلالته على الميل بقوله " إليه " فكان أخص بالدلالة إلى معنى الميل من " في ". وقد يكون ما اختاره الكسائي بعيدا في تفريقه بين اللفظين إلى الجمع بين اللغتين كما قال الله عز وجل: الكسائي فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ، وقد كان الكسائي يفعل هذا كثيرا، من ذلك ما روي عنه من اختياره في قراءة: لم يطمثهن ضم عين الفعل في أحد الموضعين وكسرها في الآخر. والذي اختاره من القراءة على لغة من يقول " لحد " في موضع وعلى لغة من يقول " ألحد " في غيره حسن جميل عندي.
وقول الراعي " وقد كان مات الجود حتى نشرته " اللغة الصحيحة " أنشر الله الميت، فنشر هو، ونشره فهو منشور لغة قد قرئ بها، وقد مضى من شرح هذا فيما تقدم من مجالسنا هذه ما نكتفي به فنستغني عن إعادته. وقوله " ولا بل من سقم ": يقال بل الرجل من مرضه وأبل واستبل إذا برأ وصح، قال الشاعر:
إذا بل من داء به ظن أنه نجا وبه الداء الذي هو قاتله
وقال الأعشى:
وكأنها محموم خيبر بل من أوصابها