الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو الحسن سري بن المغلس السقطي خال الجنيد وأستاذه ، وكان تلميذ معروف الكرخي ، كان أوحد زمانه في الورع وأحوال السنة وعلوم التوحيد.  

سمعت محمد بن الحسين ، يقول: سمعت عبد الله بن علي الطوسي ، يقول: سمعت أبا عمرو بن علوان ، يقول: سمعت أبا العباس بن مسروق ، يقول: بلغني أن السري السقطي كان يتجر في السوق وهو من أصحاب معروف الكرخي ، فجاءه معروف يوما ومعه صبي يتيم ، فقال: اكس هذا اليتيم ، قال سري: فكسوته ففرح به معروف ، وقال: بغض الله إليك الدنيا وأراحك مما أنت فيه، فقمت من الحانوت وليس شيء أبغض إلي من الدنيا، وكل ما أنا فيه من بركات معروف.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي رحمه الله يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا عمر الأنماطي يقول: سمعت الجنيد يقول: ما رأيت أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رئي مضطجعا إلا في علة الموت.  

ويحكى عن السري ، أنه قال: التصوف اسم لثلاث معان  ، وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه، [ ص: 46 ] ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب أو السنة، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله.

مات السري سنة سبع وخمسين ومائتين.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يحكي عن الجنيد رحمه الله أنه قال: سألني السري يوما عن المحبة فقلت: قال قوم: هي الموافقة وقال قوم: الإيثار.

وقال قوم: كذا وكذا، فأخذ السري جلدة ذراعه ومدها فلم تمتد، ثم قال: وعزته تعالى لو قلت: إن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محبته لصدقت، ثم غشي عليه فدار وجهه كأنه قمر مشرق وكان السري به أدمة.

ويحكى عن السري أنه قال: منذ ثلاثين سنة أنا في الاستغفار من قولي : الحمد لله مرة ، قيل: وكيف ذلك؟ فقال: وقع ببغداد حريق فاستقبلني رجل فقال لي: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله ، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت: حيث أردت لنفسي خيرا مما حصل للمسلمين.

أخبرني به عبد الله بن يوسف ، قال: سمعت أبا بكر الرازي ، يقول: سمعت أبا بكر الحريري ، يقول: سمعت السري يقول ذلك.

ويحكى عن السري أنه قال: أنا أنظر في أنفي في اليوم كذا وكذا مرة مخافة أن يكون قد اسود خوفا من الله أن يسود صورتي لما أتعاطاه.

سمعت محمد بن الحسين رحمه الله ، يقول: سمعت محمد بن الحسين بن الخشاب ، يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير ، يقول: سمعت الجنيد ، يقول: سمعت السري ، يقول: أعرف طريقا مختصرا قصدا إلى الجنة ، فقلت له: ما هو؟

فقال: لا تسأل من أحد شيئا ولا تأخذ من أحد شيئا، ولا يكن معك شيء تعطي منه أحدا. [ ص: 47 ]

سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، يقول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي ، يقول: سمعت جعفر بن محمد بن نصير ، يقول: سمعت الجنيد بن محمد ، يقول: سمعت السري ، يقول: أشتهي أن أموت ببلد غير بغداد، فقيل له: ولم ذلك؟ فقال: أخاف أن لا يقبلني قبري فأفتضح.

سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، يقول: سمعت أبا الحسن بن عبد الله الغوطي الطرسوسي ، يقول: سمعت الجنيد ، يقول: سمعت السري ، يقول: اللهم مهما عذبتني بشيء ، فلا تعذبني بذل الحجاب.

سمعت عبد الله بن يوسف الأصبهاني يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول: دخلت يوما على السري السقطي وهو يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: جاءتني البارحة الصبية ، فقالت: يا أبتي هذه الليلة حارة وهذا الكوز أعلقه هاهنا ، ثم إني حملتني عيناي فنمت ، فرأيت جارية من أحسن الخلق قد نزلت من السماء ، فقلت: لمن أنت؟ فقالت: لمن لا يشرب الماء المبرد في الكيزان، فتناولت الكوز فضربت به الأرض فكسرته ، قال الجنيد: فرأيت الخزف لم يرفعه، ولم يمسه حتى عفا عليه التراب. [ ص: 48 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية