أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس الحيري العدل قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه الدقاق قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: حدثنا عامر بن أبي الفرات قال: حدثنا المسعودي عن محمد بن عبد الرحمن عن عن عيسى بن طلحة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة "لا يدخل النار من بكى من خشية الله تعالى حتى يلج اللبن في الضرع ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد أبدا.
حدثنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسين بن الشرقي قال: حدثنا عبد الله بن هاشم قال: حدثنا قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا شعبة قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
قلت: لأنه إنما يخاف أن يحل به مكروه أو يفوته محبوب ولا يكون هذا إلا لشيء يحصل في المستقبل. الخوف معنى متعلقه في المستقبل
فأما ما يكون في الحال موجودا فالخوف لا يتعلق به، هو أن يخاف أن يعاقبه الله تعالى إما في الدنيا وإما في الآخرة وقد فرض الله سبحانه على العباد أن يخافوه فقال تعالى والخوف من الله تعالى وخافون إن كنتم مؤمنين [ ص: 252 ] وقال تعالى: وإياي فارهبون ومدح المؤمنين بالخوف فقال تعالى: يخافون ربهم من فوقهم .
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: الخوف والخشية والهيبة. الخوف على مراتب:
فالخوف من شرط الإيمان وقضيته. قال الله تعالى: وخافون إن كنتم مؤمنين والخشية من شرط العلم قال الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء والهيبة من شرط المعرفة قال الله تعالى: ويحذركم الله نفسه سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي محمد بن علي الحيري يقول: سمعت محفوظا يقول: سمعت أبا حفص يقول: الخوف سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه.
وقال أبو القاسم الحكيم: الخوف على ضربين رهبة وخشية فصاحب الرهبة يلتجئ إلى الهرب إذا خاف وصاحب الخشية يلتجئ إلى الرب.
قال رحمه الله: ورهب وهرب يصح أن يقال أنهما واحد مثل جذب وجبذ فإذا هرب انجذب في مقتضى هواه كالرهبان الذين اتبعوا أهواءهم فإذا كبحهم لجام العلم وقاموا بحق الشرع فهو الخشية.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول: سمعت أبا عثمان أبا حفص يقول: الخوف سراج القلب به يبصر ما فيه من الخير والشر.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: الخوف أن لا تعلل نفسك بعسى وسوف.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أبا القاسم الدمشقي يقول: سمعت أبا عمر الدمشقي يقول: الخائف من يخاف من نفسه أكثر مما يخاف من الشيطان. [ ص: 253 ] وقال الخائف من تؤمنه المخوفات. وقيل: ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه إنما الخائف من يترك ما يخاف أن يعذب عليه. وقيل ابن الجلاء: للفضيل: مالنا لا نرى خائفا؟ فقال: لو كنتم خائفين لرأيتم الخائفين إن الخائف لا يراه إلا الخائفون وإن الثكلى هي التي في تحب أن ترى الثكلى. وقال مسكين ابن يحيى بن معاذ: آدم لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لدخل الجنة. وقال شاه الكرماني: علامة الخوف الحزن الدائم. وقال أبو القاسم الحكيم: من خاف من شيء هرب منه ومن خاف من الله عز وجل هرب إليه.
وسئل رحمه الله تعالى: متى يتيسر على العبد سبيل الخوف؟ فقال: إذا أنزل نفسه منزلة السقيم يحتمي من كل شيء مخافة طول السقام. ذو النون المصري
وقال إن المؤمن لا يطمئن قلبه ولا تسكن روعته حتى يخلف جسر جهنم وراءه. معاذ بن جبل:
وقال الخوف ملك لا يسكن إلا في قلب متق. بشر الحافي:
وقال عيب الخائف في خوفه السكون إلى خوفه لأنه أمر خفي. أبو عثمان الحيري:
وقال الواسطي: الخوف حجاب بين الله تعالى وبين العبد وهذا اللفظ فيه إشكال ومعناه أن الخائف متطلع لوقت ثان وأبناء الوقت لا تطلع لهم في المستقبل وحسنات الأبرار سيئات المقربين.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين محمد بن علي النهاوندي يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت يقول: الخائف يهرب من ربه إلى ربه. النوري
وقال بعضهم: التحير على باب الغيب. [ ص: 254 ] علامة الخوف
سمعت أبا عبد الله الصوفي يقول: سمعت علي بن إبراهيم العكبري يقول: سمعت يقول وسئل عن الخوف فقال: توقع العقوبة مع مجاري الأنفاس. الجنيد
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي الحسين بن أحمد الصفار يقول: سمعت يقول: سمعت محمد بن المسيب، هاشم بن خالد يقول: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: ما فارق الخوف قلبا إلا خرب. وسمعته، يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن يقول: سمعت يقول: صدق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرا وباطنا. وقال أبا عثمان الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال عنهم الخوف ضلوا عن الطريق. وقال ذو النون لكل شيء زينة وزينة العبادة الخوف وعلامة الخوف قصر الأمل وقال رجل حاتم الأصم أراك تخاف الموت فقال: القدوم على الله عز وجل شديد. لبشر الحافي
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول دخلت على الإمام أبي بكر بن فورك عائدا فلما رآني دمعت عيناه فقلت له: إن شاء الله تعالى يعافيك ويشفيك فقال لي: تراني أخاف من الموت؟ إنما أخاف مما وراء الموت.
أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: حدثنا أحمد بن عبيد محمد بن عثمان قال: حدثنا القاسم بن محمد قال: حدثنا عن يحيى بن يمان، عن مالك بن مغول، عبد الرحمن بن سعيد بن موهب، رضي الله عنها قالت قلت: "يا رسول الله عائشة والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر؟ قال: لا ولكن الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه" [ ص: 255 ] وقال عن ابن المبارك الذي يهيج الخوف حتى يسكن في القلب دوام المراقبة في السر والعلانية.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين، محمد بن الحسن يقول: سمعت أبا القاسم بن أبي موسى يقول: حدثنا قال: حدثنا محمد بن أحمد علي الرازي قال: سمعت ابن المبارك يقول ذلك.
وسمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول إذا سكن الخوف القلب أحرق مواضع الشهوات منه وطرد رغبة الدنيا عنه وقيل: الخوف قوة العلم بمجاري الأحكام. وقيل: الخوف حركة القلب من جلال الرب وقال إبراهيم بن شيبان ينبغي للقلب أن لا يكون الغالب عليه إلا الخوف فإنه إذا غلب الرجاء على القلب فسد القلب ثم قال يا أبو سليمان الداراني أحمد بالخوف ارتفعوا فإن ضيعوه نزلوا.
وقال الواسطي الخوف والرجاء زمامان على النفوس لئلا تخرج إلى رعوناتها.
وقال الواسطي إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها فضلة لرجاء ولا لخوف قال الأستاذ أبو القاسم: وهذا فيه إشكال ومعناه إذا اصطلمت شواهد الحق تعالى، الأسرار ملكتها فلا يبقى فيها مساغ لذكر حدثان، والخوف والرجاء من آثار بقاء الإحساس بأحكام البشرية وقال الحسين بن منصور من خاف من شيء سوى الله عز وجل أو رجا سواه أغلق عليه أبواب كل شيء وسلط عليه المخافة وحجبه بسبعين حجابا أيسرها الشك وإن مما أوجب شدة خوفهم فكرهم في العواقب وخشية تغير أحوالهم قال الله تعالى: وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وقال الله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا 103 الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [ ص: 256 ] فكم من مغبوط في أحواله انعكست عليه الحال ومني بمفارقة قبيح الأفعال فبدل بالأنس وحشة وبالحضور غيبة.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله ينشد كثيرا:
أحسنت ظنك بالأيام إذا حسنت ولم تخف سوء ما يأتي به القدر وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
سمعت منصور بن خلف المغربي يقول: كان رجلان اصطحبا في الإرادة برهة من الزمان ثم إن أحدهما سافر وفارق صاحبه وأتى عليه مدة من الزمان ولم يسمع منه خبرا فبينا هذا الآخر كان في غزاة يقاتل عسكر الروم إذ خرج على المسلمين رجل مقنع في السلاح يطلب المبارزة فخرج إليه من أبطال المسلمين واحد فقتله الرومي ثم خرج آخر فقتله ثم ثالث فقتله فخرج إليه هذا الصوفي وتطاردا فحسر الرومي عن وجهه فإذا هو صاحبه الذي صحبه في الإرادة والعبادة سنين فقال هذا له: إيش الخبر؟ فقال: إنه ارتد وخالط القوم وولد له أولاد واجتمع له مال فقال له: وكنت تقرأ القرآن بقراءات كثيرة فقال لا أذكر منه حرفا فقال له هذا الصوفي لا تفعل وارجع فقال لا أفعل فلي فيهم جاه ومال فانصرف أنت عني وإلا لأفعلن بك ما فعلت بأولئك فقال له هذا الصوفي: أعلم أنك قتلت ثلاثة من المسلمين وليس عليك أنفة في الانصراف فانصرف أنت وأنا أمهلك فرجع الرجل موليا فتبعه هذا الصوفي وطعنه فقتله فبعد تلك المجاهدات ومقاساة تلك الرياضات قتل على النصرانية. [ ص: 257 ]
وقيل: لما ظهر على إبليس ما ظهر طفق جبريل وميكائيل عليهما السلام يبكيان زمانا طويلا فأوحى الله تعالى إليهما ما لكما تبكيان كل هذا البكاء فقالا يا رب لا نأمن مكرك فقال الله تعالى: هكذا كونا لا تأمنا مكري.
ويحكى عن أنه قال: إني لأنظر إلى أنفي في اليوم كذا مرة مخافة أن يكون قد اسود لما أخافه من العقوبة. السري السقطي،
وقال أبو حفص منذ أربعين سنة اعتقادي في نفسي أن الله تعالى ينظر إلي نظر السخط وأعمالي تدل على ذلك.
وقال لا تغتر بموضع صالح فلا مكان أصلح من الجنة فلقي حاتم الأصم آدم عليه السلام فيها ما لقي ولا تغتر بكثرة العبادة فإن إبليس بعد طول تعبده لقي ما لقي ولا تغتر بكثرة العلم فإن بلعام كان يحسن اسم الله الأعظم فانظر ماذا لقي ولا تغتر برؤية الصالحين فلا شخص أكبر قدرا من المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم ينتفع بلقائه أقاربه أو أعداؤه.
وخرج ابن المبارك يوما على أصحابه فقال: إني قد اجترأت البارحة على الله عز وجل سألته الجنة.
وقيل: خرج عيسى عليه السلام ومعه صالح من صالحي بني إسرائيل فتبعهما رجل خاطئ مشهور بالفسق فيهم فقعد منتبذا عنهما منكسرا فدعا الله سبحانه وقال: اللهم اغفر لي ودعا هذا الصالح وقال اللهم لا تجمع غدا بيني وبين ذلك العاصي فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام إني قد استجبت دعاءهما جميعا رددت ذلك الصالح وغفرت لذلك المجرم.
وقال قلت لعليم: لم سميت مجنونا؟ قال: لما طال حبسي عنه صرت مجنونا لخوف فراقه في الآخرة. ذو النون المصري
وفي معناه أنشدوا:
لو أن ما بي على صخر لأنحله فكيف يحمله خلق من الطين
وقيل: مرض فعرض دليله على الطبيب فقال: هذا رجل قطع الخوف كبده. ثم جاء وجس عرقه ثم قال: ما علمت أن في الحنيفية مثله. سفيان الثوري
وسئل لم تصفر الشمس عند الغروب. الشبلي
فقال: لأنها عزلت عن مكان التمام فاصفرت لخوف المقام.
وكذا المؤمن إذا قارب خروجه من الدنيا اصفر لونه لأنه يخاف المقام فإذا طلعت الشمس طلعت مضيئة كذلك المؤمن إذا بعث من قبره خرج ووجهه يشرق.
ويحكى عن رحمه الله تعالى أنه قال: سألت ربي عز وجل أن يفتح علي بابا من الخوف ففتح فخفت على عقلي فقلت يا رب أعطني على قدر ما أطيق فسكن ذلك عني. أحمد بن حنبل
[ ص: 259 ]