أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسين قال: حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق قال: حدثنا قال: حدثنا السلمي ، عن عبد الرزاق معمر ، عن ، عن همام بن منبه -رضي الله عنه- قال: أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أحب لقاء الله -تعالى- أحب الله لقاءه، ومن لم يحب لقاء الله لم يحب الله -تعالى- لقاءه .
أخبرنا قال: حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال: حدثنا أحمد بن عبيد الصفار البصري عبد الله بن أيوب قال: حدثنا قال: حدثنا الحكم بن موسى قال: حدثنا الهيثم بن خارجة الحسن بن يحيى ، عن صدقة الدمشقي ، عن هشام الكتاني ، عن ، أنس بن مالك جبريل -عليه السلام-، عن ربه -سبحانه وتعالى-، قال: وما ترددت في شيء كترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعا، وبصرا، ويدا ومؤيدا من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، . عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن
أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: حدثنا أحمد بن عبيد ، قال: أخبرنا عبيد بن شريك يحيى ، قال: حدثنا ، عن مالك ، عن أبيه، عن سهيل بن أبي صالح ، أبي هريرة
إذا أحب الله -عز وجل- العبد قال لجبريل : يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل -عليه السلام-، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله –تعالى- قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله -عز وجل- العبد. أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ ص: 485 ]
قال : لا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك. مالك
قال الأستاذ: وأخبر عن محبته لعبد، فالحق -سبحانه- يوصف بأنه يحب العبد، والعبد يوصف بأنه يحب الحق -سبحانه-، والمحبة على لسان العلماء هي الإرادة، وليس مراد القوم بالمحبة الإرادة، فإن الإرادة لا تتعلق بالقديم، اللهم إلا أن تحمل على إرادة التقرب إليه، والتعظيم له. المحبة حالة شريفة، شهد الحق -سبحانه- بها للعبد،
ونحن نذكر من تحقيق هذه المسألة طرفا إن شاء الله تعالى، كما أن رحمته له إرادة الإنعام، فالرحمة أخص من الإرادة، والمحبة أخص من الرحمة، فإرادة الله -تعالى- لأن يوصل إلى العبد الثواب والإنعام تسمى رحمة، وإرادته لأن يخصه بالقربة والأحوال العلية تسمى محبة، فإرادته -سبحانه- صفة واحدة، فبحسب تفاوت متعلقاتها تختلف أسماؤها، فإذا تعلقت بالعقوبة تسمى غضبا، وإذا تعلقت بعموم النعم تسمى رحمة، وإذا تعلقت بخصوصها تسمى محبة. فمحبة الحق -سبحانه- للعبد إرادته لإنعام مخصوص عليه،
وقوم قالوا: محبة الحق -سبحانه- للعبد مدحه له، وثناؤه عليه بالجميل، فيعود معنى محبته له على هذا القول إلى كلامه، وكلامه قديم.
وقال قوم: محبته للعبد من صفات فعله، فهو إحسان مخصوص يلقى الله العبد به، وحالة مخصوصة يرقيه إليها، كما قال بعضهم: إن رحمته بالعبد نعمته معه.
وقوم من السلف قالوا: محبته من الصفات الخبرية، فأطلقوا اللفظ، وتوقفوا عن التفسير، فأما ما عدا هذه الجملة مما هو في المعقول من صفات محبة الخلق، كالميل إلى الشيء، والاستئناس بالشيء، وكحالة يجدها المحب مع محبوبه من المخلوقين، فالقديم -سبحانه- يتعالى عن ذلك.
وأما [ ص: 486 ] وقد تحمله تلك الحالة على التعظيم له، وإيثار رضاه، وقلة الصبر عنه، والاهتياج إليه، وعدم القرار من دونه، ووجود الاستئناس بدوام ذكره له بقلبه، وليست محبة العبد له -سبحانه- متضمنة ميلا، ولا اختطاطا، كيف وحقيقة الصمدية مقدسة عن اللحوق، والدرك والإحاطة. محبة العبد لله -تعالى-، فحالة يجدها من قلبه تلطف عن العبارة،
والمحب بوصف الاستهلاك في المحبوب أولى منه بأن يوصف بالاختطاط، ولا توصف المحبة بوصف، ولا تحد بحد أوضح، ولا أقرب إلى الفهم من المحبة والاستقصاء في المقال عند حصول الإشكال، فإذا زال الاستعجام والاستبهام سقطت الحاجة إلى الاستغراق في شرح الكلام.
وعبارات الناس عن المحبة كثيرة، وتكلموا في أصلها في اللغة، فبعضهم قال: الحب اسم لصفاء المودة، لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها: حبب الأسنان.
وقيل: الحباب: ما يعلو الماء عند المطر الشديد، فعلى هذا المحبة: غليان القلب، وثورانه عند العطش، والاهتياج إلى لقاء المحبوب.
وقيل: إنه مشتق من حباب الماء بفتح الحاء وهو معظمه فسمي بذلك، لأن المحبة غاية معظم ما في القلب من المهمات.
وقيل: اشتقاقه من اللزوم والثبات، يقال: أحب البعير، وهو أن يبرك فلا يقوم، فكأن المحب لا يبرح بقلبه عن ذكر محبوبه.
وقيل: الحب مأخوذ من الحب وهو القرط قال الشاعر:
تبينت الحية النضناض منه مكان الحب تستمع السرارا
وسمي القرط حبا، إما للزومه للأذن، أو لقلقه، وكلا المعنيين صحيح في الحب.
وقيل: هو مأخوذ من الحب، والحب جمع حبة، وحبة القلب: ما به قوامه، فسمي الحب حبا باسم محله.
[ ص: 487 ] وقيل: الحب والحب: كالعمر والعمر، وقيل: هو مأخوذ من الحبة بكسر الحاء، وهي بزور الصحراء، فسمي الحب حبا، لأنه لباب الحياة، كما أن الحب لباب النبات، وقيل: الحب هي الخشبات الأربع التي توضع عليها الجرة فسميت المحبة حبا؛ لأنه يتحمل عن محبوبه كل عز وذل.
وقيل: هو من الحب الذي فيه الماء؛ لأنه يمسك ما فيه فلا يسع فيه غير ما امتلأ به، كذلك إذا امتلأ القلب بالحب فلا مساغ فيه لغير محبوبه.
وأما أقاويل الشيوخ فيه فقال بعضهم: المحبة الميل الدائم بالقلب الهائم.
وقيل: المحبة إيثار المحبوب على جميع المصحوب.
وقيل: موافقة الحبيب في المشهد والمغيب.
وقيل: محو المحب بصفاته، وإثبات المحبوب بذاته.
وقيل: مواطأة القلب لمرادات الرب.
وقيل: خوف ترك الحرمة مع إقامة الخدمة.
وقال أبو يزيد البسطامي : المحبة استقلال الكثير من نفسك، واستكثار القليل من حبيبك.
وقال سهل : الحب معانقة الطاعة، ومباينة المخالفة، وسئل الجنيد عن المحبة فقال: دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب.
أشار بهذا إلى استيلاء ذكر المحبوب حتى لا يكون الغالب على قلب المحب إلا ذكر صفات المحبوب، والتغافل بالكلية عن صفات نفسه والإحساس بها.
وقال : المحبة: الموافقة، قال أبو علي الروذباري : حقيقة المحبة أن تهب كلك لمن أحببت فلا يبقى لك منك شيء، وقال أبو عبد الله القرشي : سميت المحبة محبة؛ لأنها تمحو من القلب ما سوى المحبوب، وقال الشبلي : المحبة إقامة العتاب على الدوام. ابن عطاء
[ ص: 488 ] سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق -رحمه الله تعالى- يقول: المحبة لذة، ومواضع الحقيقة دهش، وسمعته يقول: العشق مجاوزة الحد في المحبة، والحق -سبحانه- لا يوصف بأنه يجاوز الحد، فلا يوصف بالعشق، ولو جمع محاب الخلق كلهم لشخص واحد لم يبلغ ذلك استحقاق قدر الحق -سبحانه- فلا يقال: إن عبدا جاوز الحد في محبة الله -تعالى- فلا يوصف الحق -سبحانه- بأنه يعشق، ولا العبد في صفته -سبحانه- بأنه يعشق، فنفى العشق ولا سبيل له إلى وصف الحق -سبحانه- لا من الحق للعبد، ولا من العبد للحق سبحانه.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: المحبة أن تغار على المحبوب أن يحبه مثلك، وسمعته يقول: سمعت الشبلي أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت يقول وقد سئل عن المحبة فقال: أغصان تغرس في القلب، فتثمر على قدر العقول، وسمعته يقول: سمعت ابن عطاء يقول: محبة توجب حقن الدماء، ومحبة توجب سفك الدماء، وسمعته يقول: سمعت النصراباذي محمد بن علي العلوي يقول: سمعت جعفرا يقول: سمعت سمنونا يقول: ذهب المحبون لله -تعالى- بشرف الدنيا والآخرة، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: المرء مع من أحب، فهم مع الله تعالى.
وقال : يحيى بن معاذ وقال: يزيد بالبر، وقال: ليس بصادق من ادعى محبته، ولم يحفظ حدوده. حقيقة المحبة ما لا ينقص بالجفاء،
وقال : إذا صحت المحبة سقطت شروط الأدب، وفي معناه سمعت الأستاذ أبا علي ينشد: الجنيد
إذا صفت المودة بين قوم ودام ودادهم سمج الثناء
وكان يقول: لا ترى أبا شفيقا يبجل ابنه في الخطاب والناس يتكلفون في مخاطبته، والأب يقول: يا فلان، وقال : المحبة الإيثار للمحبوب. الكتاني
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أبا سعيد الأرجاني يقول: سمعت بندار بن الحسين [ ص: 489 ] يقول: رئي مجنون بني عامر في المنام فقيل له: ما فعل الله -تعالى- بك؟ فقال: غفر لي، وجعلني حجة على المحبين، وقال أبو يعقوب السوسي : حقيقة المحبة أن ينسى العبد حظه من الله -عز وجل- وينسى حوائجه إليه، وقال الحسين بن منصور : حقيقة المحبة قيامك مع محبوبك بخلع أوصافك.
سمعت الشيخ يقول: قيل أبا عبد الرحمن السلمي للنصراباذي : ليس لك من المحبة شيء؟ .
فقال: صدقوا، ولكن لي حسراتهم فهو ذا أحترق فيه، وسمعته يقول: قال : المحبة مجانبة السلو على كل حال، ثم أنشد: النصراباذي
ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة فإني من ليلى لها غير ذائق
وأكثر شيء نلته من وصالها أماني لم تصدق كلمحة بارق
وقال محمد بن الفضل : المحبة سقوط كل محبة من القلب إلا محبة الحبيب، وقال : المحبة إفراط الميل بلا نيل، ويقال: المحبة تشويش في القلوب يقع من المحبوب، ويقال: المحبة فتنة تقع في الفؤاد من المراد، وأنشد الجنيد : ابن عطاء
غرست لأهل الحب غصنا من الهوى ولم يك يدري ما الهوى أحد قبلي
فأورق أغصانا وأينع صبوة وأعقب لي مرا من الثمر المحلي
وكل جميع العاشقين هواهم إذ نسبوه كان من ذلك الأصل
وقيل: الحب أوله ختل وآخره قتل.
سمعت الأستاذ أبا علي -رحمه الله تعالى- يقول في معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: حبك للشيء يعمي ويصم.
[ ص: 490 ]
فقال: يعمي عن الغير غيرة وعن المحبوب هيبة، ثم أنشد:
إذا ما بدا لي تعاظمته فأصدر في حال من لم يرد
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أحمد بن علي إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد يقول: المحبة ميلك إلى الشيء بكليتك، ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك، ثم موافقتك له سرا وجهرا، ثم علمك بتقصيرك في حبه. الحارث المحاسبي
وسمعته يقول: سمعت يقول: سمعت أحمد بن علي عباس بن عصام يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد يقول: لا تصلح المحبة بين اثنين حتى يقول الواحد للآخر: يا أنا. السري
وقال : المحب إذا سكت هلك، والعارف إن لم يسكت هلك. وقيل: المحبة نار في القلب تحرق ما سوى مراد المحبوب. وقيل: المحبة بذل المجهود، والحبيب يفعل ما يشاء. الشبلي
وقال : المحبة هتك الأستار، وكشف الأسرار. النوري
وقال أبو يعقوب السوسي : لا تصح المحبة إلا بالخروج عن رؤية المحبة إلى رؤية المحبوب بفناء علم المحبة.
وقال جعفر: قال : دفع الجنيد إلي رقعة وقال: هذه لك خير من سبع مائة قصة أو حديث يعلو، فإذا فيها: السري
ولما ادعيت الحب قالت: كذبتني فمالي أرى الأعضاء منك كواسيا
فما الحب حتى يلصق القلب بالحشا وتذبل حتى لا تجيب المناديا
وتنحل حتى لا يبقي لك الهوى سوى مقلة تبكي بها وتناجيا
[ ص: 491 ] وقال ابن مسروق : رأيت سمنونا يتكلم في المحبة، فتكسرت قناديل المسجد كلها.
سمعت محمد بن الحسن يقول: سمعت يقول: سمعت أحمد بن علي إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت سمنونا وهو جالس في المسجد يتكلم في المحبة؛ إذ جاء طير صغير فقرب منه، ثم قرب فلم يزل يدنو حتى جلس على يده، ثم ضرب بمنقاره الأرض حتى سال منه الدم، ثم مات.
وقال : كل محبة كانت لغرض إذا زال الغرض زالت تلك المحبة. وقيل: حبس الشبلي في المارستان، فدخل عليه جماعة، فقال: من أنتم؟ قالوا: إنا محبوك يا أبا بكر، فأقبل يرميهم بالحجارة ففروا، فقال: إن ادعيتم محبتي فاصبروا على بلائي، وأنشد الجنيد : الشبلي
يا أيها السيد الكريم حبك بين الحشا مقيم
يا رافع النوم عن جفوني أنت بما مر بي عليم
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت منصور بن عبد الله يقول: سمعت النهرجوري علي بن عبيد يقول: كتب إلى يحيى بن معاذ : سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته، فكتب إليه أبو يزيد: غيرك شرب بحور السموات والأرض وما روي بعد، ولسانه خارج ويقول: هل من مزيد. أبي يزيد
وأنشدوا:
عجبت لمن يقول ذكرت إلفي وهل أنسى فأذكر ما نسيت
أموت إذا ذكرتك، ثم أحيا ولولا حسن ظني ما حييت
فأحيا بالمنى وأموت شوقا فكم أحيا عليك وكم أموت
شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب وما رويت
وقيل: أوحى الله -تعالى- إلى عيسى -عليه السلام-: إني إذا اطلعت على قلب عبد فلم أجد فيه حب الدنيا والآخرة ملأته من حبي.
ورأيت بخط الأستاذ أبي علي الدقاق -رحمه الله تعالى- في بعض الكتب المنزلة: عبدي أنا وحقك لك محب، فبحقي كن لي محبا.
وقال : عبد الله بن المبارك من أعطي شيئا من المحبة ولم يعط مثله من الخشية فهو مخدوع.
[ ص: 492 ]
وقيل: المحبة ما يمحو أثرك.
وقيل: المحبة سكر لا يصحو صاحبه إلا بمشاهدة محبوبه، ثم السكر الذي يحصل عند الشهود لا يوصف، وأنشدوا:
فأسكر القوم دور كأس وكان سكري من المدير
وكان الأستاذ أبو علي الدقاق ينشد كثيرا:
لي سكرتان وللندمان واحدة شيء خصصت به من بينهم وحدي
وقال : المحبة إقامة العتاب على الدوام. ابن عطاء
وكان للأستاذ جارية تسمى أبي علي فيروز وكان يحبها؛ إذ كانت قد خدمته كثيرا، فسمعته يقول: كانت فيروز تؤذيني يوما وتستطيل علي بلسانها، فقال لها أبو الحسن القارئ : لم تؤذين هذا الشيخ؟ فقالت: لأني أحبه.
وقال مثقال خردلة من الحب أحب إلي من عبادة سبعين سنة بلا حب، وقيل: إن شابا أشرف على الناس في يوم عيد وقال: يحيى بن معاذ
من مات عشقا فليمت هكذا لا خير في عشق بلا موت
وألقى نفسه من سطح عال فوقع ميتا.
وحكي أن بعض أهل الهند عشق جارية، فرحلت الجارية، فخرج الرجل في وداعها فدمعت إحدى عينيه دون الأخرى؛ فغمض التي لم تدمع أربعا وثمانين سنة ولم يفتحها؛ عقوبة لها لأنها لم تبك على فراق حبيبته، وفي معناه أنشدوا:
بكت عيني غداة البين دمعا وأخرى بالبكا بخلت علينا
فعاقبت التي بخلت بدمع بأن غمضتها يوم التقينا
وقال بعضهم: كنا عند فتذاكرنا المحبة، فقال ذي النون المصري : كفوا عن هذه المسألة لا تسمعها النفوس فتدعيها، ثم أنشأ يقول: ذو النون
الخوف أولى بالمسيء إذا تأله والحزن
والحب يجمل بالتقى وبالنقى من الدرن
[ ص: 493 ] وقال : من نشر المحبة عند غير أهلها فهو في دعواه دعي. يحيى بن معاذ
وقيل: ادعى رجل الاستهلاك في محبة شخص، فقال له الشاب: كيف هذا وهذا أخي أحسن مني وجها وأتم جمالا؟ فرفع الرجل رأسه يلتفت، وكانا على سطح فألقاه من السطح، وقال: هذا أجر من يدعي هوانا وينظر إلى سوانا.
وكان سمنون يقدم المحبة على المعرفة، والأكثرون يقدمون المعرفة على المحبة، وعند المحققين المحبة استهلاك في لذة، والمعرفة شهود في حيرة، وفناء في هيبة.
وقال : جرت مسألة في المحبة بمكة أيام الموسم، فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سنا فقالوا له: هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته، وصفا شربه من كأس وده، وانكشف له الجبار من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله، فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد -جبرك الله تعالى- يا تاج العارفين. أبو بكر الكتاني
وقيل: أوحى الله -تعالى- إلى داود -عليه السلام-: يا داود، إني حرمت على القلوب أن يدخلها حبي وحب غيري فيها.
أخبرنا قال: أخبرنا حمزة بن يوسف السهمي محمد بن أحمد بن القاسم قال: حدثنا هميم بن همام قال: أخبرنا قال: حدثني إبراهيم بن الحارث عبد الرحمن بن عفان قال: حدثني قال: حدثني محمد بن أيوب خادم أبو العباس قال: احتبس بول الفضيل بن عياض الفضيل فرفع يديه وقال: اللهم بحبي لك إلا أطلقته عني. قال: فما برحنا حتى شفي.
وقيل: المحبة الإيثار كامرأة العزيز لما تناهت في أمرها قالت: أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين وفي الابتداء قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم فوركت الذنب في الابتداء عليه، وفي الانتهاء نادت على نفسها بالخيانة.
سمعت الأستاذ أبا علي ، يقول ذلك.
[ ص: 494 ]
وحكي عن أنه قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقلت: يا رسول الله، اعذرني فإن محبة الله -تعالى- شغلتني عن محبتك، فقال: يا مبارك من أحب الله -تعالى- فقد أحبني. أبي سعيد الخراز
وقيل: قالت رابعة في مناجاتها: إلهي أتحرق بالنار قلبا يحبك، فهتف بها هاتف: ما كنا نفعل هكذا؛ فلا تظني بنا ظن السوء.
وقيل: الحب حرفان حاء وباء، فالإشارة فيه أن من أحب فليخرج عن روحه وبدنه.
وكالإجماع من إطلاقات القوم أن المحبة هي الموافقة، وأشد الموافقات الموافقة بالقلب، والمحبة توجب انتفاء المباينة، فإن المحب أبدا مع محبوبه، وبذلك ورد الخبر:
حدثنا الإمام أبو بكر بن فورك -رحمه الله تعالى- قال: أخبرنا القاضي أحمد بن محمود بن خرزاذ ، قال: حدثنا الحسين بن حماد بن فضالة قال: حدثنا قال: حدثنا يحيى بن حبيب ، عن مرحوم بن عبد العزيز ، عن سفيان الثوري الأعمش ، عن ، عن أبي وائل ، أبي موسى الأشعري . أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: إن الرجل ليحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: المرء مع من أحب
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي عبد الله الرازي ، يقول: سمعت يقول: سمعت أبا عثمان الحيري أبا حفص يقول: أكثر فساد الأحوال من ثلاثة: فسق العارفين، وخيانة المحبين، وكذب المريدين.
قال : فسق العارفين إطلاق الطرف واللسان والسمع إلى أسباب الدنيا ومنافعها، وخيانة المحبين اختيار هواهم على رضا الله -عز وجل- فيما يستقبلهم، وكذب المريدين أن يكون ذكر الخلق ورؤيتهم تغلب عليهم على ذكر الله -عز وجل-. أبو عثمان
وسمعته يقول: سمعت يقول: سمعت أبا بكر الرازي أبا القاسم الجوهري يقول: سمعت أبا علي ممشاد بن سعيد العكبري ، يقول: [ ص: 495 ]
راود خطاف خطافة في قبة سليمان -عليه السلام- فامتنعت عليه، فقال لها: لم تمتنعين علي، وإن شئت قلبت القبة على سليمان ، فدعاه سليمان -عليه السلام- وقال له: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يا نبي الله، إن العشاق لا يؤاخذون بأقوالهم، فقال: صدقت.
[ ص: 496 ]