باب الورع
أخبرنا أبو الحسين عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي قال: أخبرنا محمد بن داود بن سليمان الزاهد قال: أخبرنا قال: حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة أحمد بن أبي طاهر الخراساني قال: حدثنا يحيى بن العيزار قال: حدثنا عن محمد بن يوسف الفريابي ، سفيان، عن الأجلح ، عن عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود الدؤلي ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي ذر ، " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه".
قال الأستاذ الإمام رضي الله عنه: أما الورع فإنه ترك الشبهات كذلك. قال إبراهيم بن أدهم وترك مالا يعنيك هو ترك الفضلات وقال الورع ترك كل شبهة رضى الله عنه: كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام. أبو بكر الصديق
كن ورعا تكن أعبد الناس لأبي هريرة: سمعت الشيخ وقال صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي أبا العباس البغدادي يقول: سمعت يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيد يقول: كان أهل الورع في أوقاتهم أربعة: السري حذيفة المرعشي ويوسف بن أسباط وإبراهيم بن أدهم وسليمان الخواص، فنظروا في الورع فلما ضاقت عليهم الأمور فزعوا إلى التقلل. وسمعته يقول: سمعت أبا القاسم الدمشقي يقول: سمعت يقول: الورع أن تتورع عن كل ما سوى الله تعالى. [ ص: 234 ] وسمعته يقول: أخبرنا الشبلي قال: حدثنا أبو جعفر الرازي العباس بن حمزة قال: حدثنا قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري إسحاق بن خلف قال: الورع في المنطق أشد منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشد منه في الذهب والفضة لأنك تبذلهما في طلب الرياسة.
وقال الورع أول الزهد كما أن القناعة طرف من الرضا. وقال أبو سليمان الداراني: ثواب الورع خفة الحساب. أبو عثمان:
وقال الورع الوقوف على حد العلم من غير تأويل. يحيى بن معاذ:
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين الحسين بن أحمد بن جعفر يقول: سمعت محمد بن داود الدينوري يقول: سمعت يقول: أعرف من أقام عبد الله بن الجلاء بمكة ثلاثين سنة لم يشرب من ماء زمزم إلا ما استقاه بركوته ورشائه ولم يتناول من طعام جلب من مصر.
وسمعته يقول: سمعت يقول: سمعت أبا بكر الرازي علي بن موسى التاهرتي يقول: وقع من عبد الله بن مروان فلس في بئر قذرة فاكترى عليه بثلاثة عشر دينارا حتى أخرجه فقيل له في ذلك فقال: كان عليه اسم الله تعالى وسمعته يقول: سمعت أبا الحسين الفارسي يقول: سمعت ابن علويه يقول: سمعت يقول: يحيى بن معاذ ورع في الظاهر وهو أن لا يتحرك إلا لله تعالى، وورع في الباطن وهو أن لا يدخل قلبك سواه تعالى. الورع على وجهين
وقال من لم ينظر في الدقيق من الورع لم يصل إلى الجليل من العطاء وقيل: من دق في الدين نظره جل في القيامة خطره. وقال يحيى بن معاذ: من لم يصحبه التقى في فقره أكل الحرام النص. [ ص: 235 ] ابن الجلاء:
وقال الورع الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس في كل طرفة. وقال يونس بن عبيد: ما رأيت أسهل من الورع ما حاك في نفسك تركته. سفيان الثوري:
وقال احفظ لسانك من المدح كما تحفظه من الذم. معروف الكرخي:
وقال أشد الأعمال ثلاثة: الجود في القلة والورع في الخلوة وكلمة الحق عند من يخاف منه ويرجى. بشر بن الحارث:
وقيل: جاءت أخت إلى بشر الحافي وقالت: إنا نغزل على سطوحنا فتمر بنا مشاعل الظاهرية ويقع الشعاع علينا أفيجوز لنا الغزل في شعاعها فقال أحمد بن حنبل أحمد: من أنت عافاك الله تعالى فقالت: أخت فبكى بشر الحافي أحمد وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق لا تغزلي في شعاعها.
وقال علي العطار مررت بالبصرة في بعض الشوارع فإذا مشايخ قعود وصبيان يلعبون فقلت: أما تستحون من هؤلاء المشايخ؟ فقال صبي من بينهم: هؤلاء المشايخ قل ورعهم فقلت هيبتهم.
وقيل: إن مكث مالك بن دينار بالبصرة أربعين سنة فلم يصح له أن يأكل شيئا من تمر البصرة ولا من رطبها حتى مات ولم يذقه وكان إذا انقضى وقت الرطب قال: يا أهل البصرة هذا بطني ما نقص منه شيء ولا زاد فيكم.
وقيل ألا تشرب من ماء لإبراهيم بن أدهم: زمزم؟ فقال لو كان لي دلو لشربت.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة ضرب على رأس إصبعه عرق فيعلم أنه غير حلال. [ ص: 236 ] الحارث المحاسبي
وقيل: إن دعي إلى دعوة فوضع بين يديه طعام فجهد أن يمد يده إليه فلم تمتد ففعل ذلك ثلاث مرات فقال رجل يعرف ذلك منه: إن يده لا تمتد إلى طعام فيه شبهة ما كان أغنى صاحب الدعوة أن يدعو هذا الشيخ. بشرا الحافي
أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى الصوفي قال: سمعت عبد الله بن علي بن يحيى التميمي قال: سمعت أحمد بن محمد بن سالم بالبصرة يقول: سئل عن الحلال الصافي فقال هو الذي لا يعصى الله تعالى فيه. سهل بن عبد الله
وقال سهل: الحلال الصافي الذي لا ينسى الله فيه.
ودخل الحسن البصري مكة فرأى غلاما من أولاد رضي الله عنه قد أسند ظهره إلى علي بن أبي طالب الكعبة يعظ الناس فوقف عليه الحسن وقال ما ملاك الدين؟ قال: الورع، قال: فما آفة الدين؟ فقال: الطمع، فتعجب الحسن منه.
وقال الحسن مثقال ذرة من الورع السالم خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة.
وأوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام: لم يتقرب إلي المتقربون بمثل الورع والزهد.
وقال جلساء الله تعالى غدا أهل الورع والزهد. أبو هريرة:
وقال من لم يصحبه الورع أكل رأس الفيل ولم يشبع. سهل بن عبد الله
وقيل: حمل إلى مسك من الغنائم فقبض على مشامه وقال إنما ينتفع من هذا بريحه وأنا أكره أن أجد ريحه دون المسلمين. عمر بن عبد العزيز
وسئل عن الورع فقال: كان أبو عثمان الحيري أبو صالح حمدون عند صديق له وهو في النزع فمات الرجل فنفث أبو صالح في السراج فقيل له في ذلك فقال: إلى الآن كان الدهن له في المسرجة ومن الآن صار للورثة اطلبوا دهنا غيره. [ ص: 237 ]
وقال كهمس: أذنبت ذنبا أبكي عليه منذ أربعين سنة وذلك أنه زارني أخ لي فاشتريت بدانق سمكة مشوية فلما فرغ أخذت قطعة طين من جدار جار لي حتى غسل يده ولم أستحله.
قيل: وكان رجل يكتب رقعة وهو في بيت بكراء فأراد أن يترب الكتاب من جدار البيت فخطر بباله أن البيت بالكراء ثم إنه خطر بباله أنه لا خطر لهذا فترب الكتاب فسمع هاتفا يقول: سيعلم المستخف بالتراب ما يلقاه غدا من طول الحساب ورهن رحمه الله تعالى سطلا له عند بقال أحمد بن حنبل بمكة حرمها الله تعالى فلما أراد فكاكه أخرج البقال إليه سطلين وقال: خذ أيهما لك فقال أحمد: أشكل علي سطلي فهو لك والدراهم لك، فقال البقال: سطلك هذا وأنا أردت أن أجربك فقال: لا آخذه ومضى وترك السطل عنده وقال سيب ابن المبارك: دابة قيمتها كثيرة وصلى صلاة الظهر فرتعت الدابة في زرع قرية سلطانية فترك ابن المبارك الدابة ولم يركبها.
وقيل: رجع ابن المبارك من مرو إلى الشام في قلم استعاره فلم يرده على صاحبه.
واستأجر النخعي دابة فسقط سوطه من يده فنزل وربط الدابة ورجع فأخذ السوط فقيل له: لو حولت الدابة على الموضع الذي فيه سقط السوط فأخذته فقال: إنما استأجرتها لأمضي هكذا لا هكذا.
وقال أبو بكر الدقاق: تهت في تيه بني إسرائيل خمسة عشر يوما، فلما وافيت الطريق استقبلني جندي فسقاني شربة من ماء فعادت قسوتها على قلبي ثلاثين سنة. وقيل: خاطت رابعة شقا في قميصها في ضوء شعلة سلطان ففقدت قلبها زمانا حتى تذكرت فشقت قميصها فوجدت قلبها. [ ص: 238 ]
ورؤي في المنام وله جناحان يطير بهما في الجنة من شجرة إلى شجرة، فقيل له: بم نلت هذا؟ فقال: بالورع. سفيان الثوري
ووقف حسان بن أبي سنان على أصحاب الحسن فقال: أي شيء أشد عليكم؟ قالوا: الورع، فقال: ولا شيء أخف علي منه، فقالوا: فكيف؟ فقال: لم أرو من نهركم منذ أربعين سنة.
وكان حسان بن أبي سنان لا ينام مضطجعا ولا يأكل سمينا ولا يشرب ماء باردا ستين سنة فرؤي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: خيرا إلا أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها.
وكان لعبد الواحد بن زيد غلام خدمه سنين وتعبد أربعين سنة وكان ابتداء أمره كيالا فلما مات رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله تعالى بك؟ فقال: خيرا غير أني محبوس عن الجنة وقد أخرج علي من غبار القفيز أربعين قفيزا.
ومر عيسى بن مريم عليهما السلام بمقبرة فنادى رجلا منها فأحياه الله تعالى فقال: من أنت؟ فقال: كنت جمالا أنقل للناس فنقلت يوما لإنسان حطبا فكسرت منه خلالا تخللت به فأنا مطالب به منذ مت.
وتكلم في الورع فمر به أبو سعيد الخراز عباس بن المهتدي، فقال: يا أبا سعيد أما تستحي تجلس تحت سقف أبي الدوانيق وتشرب من بركة زبيدة وتتعامل بالدراهم المزيفة، وتتكلم في الورع؟
[ ص: 239 ]