باب الزهد
أخبرنا حمزة بن يوسف السهمي الجرجاني قال: أخبرنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري ببغداد.
قال حدثنا جعفر بن مجاشع قال: حدثنا زيد بن إسماعيل قال: حدثنا قال: حدثنا كثير بن هشام الحكم بن هشام عن يحيى بن سعيد عن أبي فروة، عن أبي خلاد وكانت له صحبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل قد أوتي زهدا في الدنيا ومنطقا فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة".
قال الأستاذ الإمام أبو القاسم رحمه الله: اختلف الناس في الزهد فمنهم من قال الزهد في الحرام، لأن الحلال مباح من قبل الله تعالى فإذا أنعم الله سبحانه على عبده بمال من حلال وتعبده بالشكر عليه فتركه له باختياره لا يقدم على إمساكه بحق إذنه، ومنهم من قال: فإن إقلال المال والعبد صابر في حاله راض بما قسم الله تعالى له قانع بما يعطيه أتم من توسعه وتبسطه في الدنيا، فإن الله تعالى زهد الخلق في الدنيا بقوله: الزهد في الحرام واجب وفي الحلال فضيلة، قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى وغير ذلك من الآيات الواردة في ذم الدنيا والتزهيد فيها، ومنهم من قال: إذا أنفق ماله في الطاعة وعلم من حاله الصبر وترك التعرض لما نهاه الشرع عنه في حال العسر فحينئذ يكون زهده في المال الحلال أتم، ومنهم من قال: ينبغي للعبد أن لا يختار ترك الحلال بتكلفه ولا طلب الفضول مما لا يحتاج إليه ويراعي القسمة فإن رزقه الله سبحانه وتعالى مالا من حلال شكره وإن وقفه الله [ ص: 240 ] تعالى على حد الكفاية لم يتكلم في طلب ما هو فضول المال، فالصبر أحسن بصاحب الفقر والشكر أليق بصاحب المال الحلال وتكلموا في فكل نطق عن وقته وأشار إلى حده. معنى الزهد
سمعت الشيخ يقول: حدثنا أبا عبد الرحمن السلمي أحمد بن إسماعيل الأزدي قال: حدثنا عمران بن موسى الإسفنجي قال: حدثنا الدورقي قال: حدثنا قال: قال وكيع الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء. سفيان الثوري:
وسمعته يقول: سمعت سعيد بن أحمد يقول: سمعت عباس بن عصام يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد يقول: إن الله سلب الدنيا عن أوليائه وحماها عن أصفيائه وأخرجها من قلوب أهل وداده لأنه لم يرضها لهم. السري
وقيل: الزهد من قوله سبحانه وتعالى: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم لا يفرح بموجود من الدنيا ولا يتأسف على مفقود منها.
وقال الزهد أن تترك الدنيا ثم لا تبالي بمن أخذها. أبو عثمان:
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: الزهد أن تترك الدنيا كما هي لا تقول أبني رباطا أو أعمر مسجدا.
وقال الزهد يورث السخاء بالملك والحب يورث السخاء بالروح. وقال يحيى بن معاذ: الزهد والنظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها. ابن الجلاء:
وقال ابن خفيف: علامة الزهد وجود الراحة في الخروج عن الملك. [ ص: 241 ]
وقال أيضا: الزهد: سلو القلب عن الأسباب ونفض الأيدي من الأملاك وقيل الزهد عزوف النفس عن الدنيا بلا تكلف.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: الزاهد غريب في الدنيا والعارف غريب في الآخرة. النصراباذي
وقيل: من صدق في زهده أتته الدنيا راغمة.
ولهذا قيل لو سقطت قلنسوة من السماء لما وقعت إلا على رأس من لا يريدها.
وقال الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد. الجنيد:
وقال الصوف علم من أعلام الزهد فلا ينبغي أن يلبس صوفا بثلاثة دراهم وفي قلبه رغبة خمسة دراهم. أبو سليمان الداراني:
وقد اختلف السلف في الزهد فقال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل وعيسى بن يونس وغيرهم: الزهد في الدنيا إنما هو قصر الأمل. وهذا الذي قالوه يحمل على أنه من أمارات الزهد والأسباب الباعثة عليه والمعاني الموجبة له. وقال الزهد هو الثقة بالله تعالى مع حب الفقر وبه قال عبد الله بن المبارك: شقيق البلخي ويوسف بن أسباط، وهذا أيضا من أمارات الزهد فإنه لا يقوى العبد على الزهد إلا بالثقة بالله تعالى.
وقال الزهد ترك الدينار والدرهم. عبد الواحد بن زيد:
وقال الزهد ترك ما يشغل عن الله تعالى. أبو سليمان الداراني:
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أحمد بن علي إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت وقد سأله الجنيد رويم عن الزهد فقال: استصغار الدنيا ومحو آثارها من القلب. [ ص: 242 ]
وقال لا يطيب عيش الزاهد إذا اشتغل عن نفسه ولا يطيب عيش العارف إذا اشتغل بنفسه. سري
وسئل عن الزهد فقال: خلو اليد من الملك والقلب من التتبع. الجنيد
وسئل عن الزهد فقال: أن تزهد فيما سوى الله تعالى. وقال الشبلي لا يبلغ أحد حقيقة الزهد حتى يكون فيه ثلاث خصال عمل بلا عقل وقول بلا طمع وعز بلا رياسة. يحيى بن معاذ:
وقال أبو حفص: الزهد لا يكون إلا في الحلال ولا حلال في الدنيا فلا زهد.
وقال إن الله تعالى يعطي الزاهد فوق ما يريد ويعطي الراغب دون ما يريد ويعطي المستقيم موافقة ما يريد. وقال أبو عثمان: الزاهد يسعطك الخل والخردل والعارف يشمك المسك والعنبر. يحيى بن معاذ
وقال الزهد في الدنيا أن تبغض أهلها وتبغض ما فيها. الحسن البصري:
وقيل لبعضهم: ما الزهد في الدنيا؟ قال: ترك ما فيها على من فيها.
وقال رجل متى أزهد في الدنيا؟ فقال: إذا زهدت في نفسك. لذي النون المصري
وقال محمد بن الفضل: إيثار الزهاد عند الاستغناء وإيثار الفتيان عند الحاجة قال الله تعالى: ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة . وقال الشيء الذي لم يخالف فيه كوفي ولا مدني ولا عراقي ولا شامي الزهد في الدنيا وسخاوة النفس والنصيحة للخلق، يعني أن هذه الأشياء لا يقول أحد إنها غير محمودة. الكتاني:
وقال رجل متى أدخل حانوت التوكل وألبس رداء الزهد وأقعد مع الزاهدين [ ص: 243 ] فقال: إذا صرت من رياضتك لنفسك في السر على حد لو قطع الله عنك الرزق ثلاثة أيام لم تضعف في نفسك، فأما ما لم تبلغ هذه الدرجة فجلوسك على بساط الزاهدين جهل ثم لا آمن عليك أن تفتضح. ليحيى بن معاذ،
وقال الزهد ملك لا يسكن إلا في قلب مخلى. بشر الحافي:
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا بكر الرازي محمد بن محمد بن الأشعث البيكندي يقول: من تكلم في الزهد ووعظ الناس ثم رغب في مالهم رفع الله تعالى حب الآخرة من قلبه وقيل: إذا زهد العبد في الدنيا وكل الله تعالى به ملكا يغرس الحكمة في قلبه وقيل لبعضهم لم زهدت في الدنيا فقال: لزهدها في.
وقال أحمد بن حنبل: ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى وهو زهد العارفين. الزهد على ثلاثة أوجه
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: قيل لبعضهم: لم زهدت في الدنيا؟ قال لما زهدت في أكثرها أنفت من الرغبة في أقلها. وقال الدنيا كالعروس ومن يطلبها ماشطتها والزاهد فيها يسخم وجهها وينتف شعرها ويخرق ثوبها والعارف مشتغل بالله تعالى لا يلتف إليها. يحيى بن معاذ
سمعت أبا عبد الله الصوفي يقول: سمعت أبا الطيب السامري يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد يقول [ ص: 244 ] مارست كل شيء من أمر الزهد فنلت منه ما أريد إلا الزهد في الناس فإني لم أبلغه ولم أطقه وقيل: ما خرج الزاهدون إلا إلى أنفسهم، لأنهم تركوا النعيم الفاني للنعيم الباقي. السري
وقال الزهد حقن دماء الزاهدين وسفك دماء العارفين. وقال النصراباذي الزاهد يذيب كيسه قبل نفسه والمتزهد يذيب نفسه قبل كيسه. حاتم الأصم:
سمعت محمد بن عبد الله يقول حدثنا علي بن الحسين الموصلي قال: حدثنا أحمد بن الحسين قال: حدثنا محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: سمعت يقول: جعل الله الشركاء في بيت وجعل مفتاحه حب الدنيا وجعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد. [ ص: 245 ] الفضيل بن عياض