التلوين والتمكين
التلوين صفة أرباب الأحوال والتمكين صفة أهل الحقائق فما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين لأنه يرتقي من حال إلى حال وينتقل من وصف إلى وصف ويخرج من مرحل ويحصل في مربع فإذا وصل تمكن وأنشدوا:
ما زلت أنزل في ودادك منزلا تتحير الألباب دون نزوله
وصاحب التلوين أبدا في الزيادة وصاحب التمكين وصل ثم اتصل وأمارة أنه اتصل أنه بالكلية عن كليته بطل.
وقال بعض المشايخ انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بنفوسهم فإذا ظفروا بنفوسهم فقد وصلوا.
قال الأستاذ رحمه الله: يريد به انخناس أحكام البشرية واستيلاء سلطان الحقيقة فإذا دام للعبد هذه الحالة فهو صاحب تمكين كان الشيخ أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى يقول: كان موسى عليه السلام صاحب تلوين فرجع من سماع الكلام واحتاج إلى ستر وجهه لأنه أثر فيه الحال، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان صاحب تمكين فرجع كما ذهب لأنه لم يؤثر فيه ما شاهده تلك الليلة وكان يستشهد على هذا بقصة يوسف عليه السلام أن النسوة اللاتي رأين يوسف عليه السلام قطعن أيديهن لما ورد عليهن من شهود يوسف عليه السلام على وجه الفجأة وامرأة [ ص: 190 ] العزيز كانت أتم في بلاء يوسف منهن ثم لم تتغير عليها شعرة ذلك اليوم لأنها كانت صاحبة تمكين في حديث يوسف عليه السلام.
وقال الأستاذ واعلم أن التغير بما يرد على العبد يكون لأحد أمرين: إما لقوة الوارد أو لضعف صاحبه والسكون من صاحبه لأحد أمرين: إما لقوته أو لضعف الوارد عليه.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول: أصول القوم في جواز دوام التمكين تتخرج على وجهين أحدهما لا سبيل إليه لأنه قال صلى الله عليه وسلم: ولأنه صلى الله عليه وسلم، قال: لو بقيتم على ما كنتم عليه عندي لصافحتكم الملائكة لي وقت لا يسعني فيه غير ربي عز وجل أخبر عن وقت مخصوص قال رحمه الله تعالى والوجه الثاني أنه يصح دوام الأحوال، لأن أهل الحقائق ارتقوا عن وصف التأثر بالطوارق والذي في الخبر أنه قال: فلم يعلق الأمر فيه على أمر مستحيل ومصافحة الملائكة دون ما أثبت لأهل البداية من قوله صلى الله عليه وسلم لصافحتكم الملائكة [ ص: 191 ] وما قال: "لي وقت" فإنما قال على حسب فهم السامع وفي جميع أحواله كان قائما بالحقيقة. إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع
والأولى أن يقال إن العبد ما دام في الترقي فصاحب تلوين يصح في نعته الزيادة في الأحوال والنقصان منها فإذا وصل إلى الحق بانخناس أحكام البشرية مكنه الحق سبحانه، بأن لا يرده إلى معلولات النفس، فهو متمكن في حاله، على حسب محله واستحقاقه. ثم يتحفه الحق سبحانه في كل نفس فلا حد لمقدوراته فهو في الزيادات متلون بل ملون وفي أصل حاله متمكن فأبدا يتمكن في حالة أعلى مما كان فيها قبله ثم يرتقي عنها إلى ما فوق ذلك إذ لا غاية لمقدورات الحق سبحانه في كل جنس. فأما المصطلم عن شاهده المستوفي إحساسه بالكلية فللبشرية لا محالة حد وإذا بطل عن جملته ونفسه وحسه وكذلك عن المكونات بأسرها ثم دامت به هذه الغيبة فهو محو فلا تمكين له إذن ولا تلوين ولا مقام ولا حال وما دام بهذا الوصف فلا تشريف ولا تكليف اللهم إلا أن يرد بما يجري عليه من غير شيء منه فذلك متصرف في ظنون الخلق مصرف في التحقيق. قال الله تعالى: وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وبالله التوفيق [ ص: 192 ]