الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الحزن قال الله عز وجل: وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن

أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان قال: أخبرنا أحمد بن عبيد قال: حدثنا علي بن حبيش قال: حدثنا أحمد بن عيسى، قال: حدثنا أبو وهب، قال: حدثنا أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن عمرو بن عطاء، قال: سمعت عطاء بن يسار، قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " ما من شيء يصيب العبد المؤمن من وصب أو نصب أو حزن أو ألم يهمه إلا كفر الله تعالى عنه من سيئاته"

الحزن: حال يقبض القلب عن التفرق في أودية الغفلة  والحزن من أوصاف أهل السلوك.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول صاحب الحزن يقطع من طريق الله تعالى في شهر مالا يقطعه من فقد حزنه سنين وفي الخبر إن الله تعالى يحب كل قلب حزين وفي التوراة: إذا أحب الله عبدا جعل في قلبه نائحة وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متواصل الأحزان دائم الفكرة.

وقال بشر بن الحارث الحزن ملك فإذا سكن في موضع لم يرض أن يساكنه أحد وقيل: القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن الدار إذا لم يكن فيها ساكن تخرب [ ص: 268 ] وقال أبو سعيد القرشي بكاء الحزن يعمي وبكاء الشوق يغشى البصر ولا يعمي  قال الله تعالى: وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم . وقال ابن خفيف الحزن حصر النفس عن النهوض في الطرب. وسمعت رابعة العدوية رجلا يقول واحزناه فقالت قل واقلة حزناه لو كنت محزونا لم يتهيأ لك أن تتنفس. وقال سفيان بن عيينة لو أن محزونا بكى في أمة لرحم الله تعالى تلك الأمة ببكائه. وكان داود الطائي الغالب عليه الحزن وكان يقول بالليل إلهي همك عطل علي الهموم وحال بيني وبين الرقاد وكان يقول كيف يتسلى من الحزن من تتجدد عليه المصائب في كل وقت وقيل: الحزن يمنع من الطعام والخوف يمنع من الذنوب.

وسئل بعضهم بم يستدل على حزن الرجل فقال: بكثرة أنينه.

وقال سري السقطي وددت أن حزن كل الناس ألقي علي.

وتكلم الناس في الحزن فكلهم قالوا: إنما يحمد حزن الآخرة وأما حزن الدنيا فغير محمود إلا أبا عثمان الحيري فإنه قال: الحزن بكل وجه فضيلة وزيادة للمؤمن ما لم يكن بسبب معصية لأنه إن لم يوجب تخصيصا فإنه يوجب تمحيصا.

وعن بعض المشايخ أنه كان إذا سافر واحد من أصحابه يقول له إن رأيت محزونا فأقرئه مني السلام.

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول كان بعضهم يقول للشمس عند غروبها هل طلعت اليوم على محزون.

وكان الحسن البصري لا يراه أحد إلا ظن أنه حديث عهد بمصيبة [ ص: 269 ] وقال وكيع لما مات الفضل: ذهب الحزن اليوم من الأرض وقال بعض السلف: أكثر ما يجده المؤمن في صحيفته من الحسنات الهم والحزن.

سمعت أبا عبد الله الشيرازي يقول: سمعت علي بن بكران يقول: سمعت محمد بن علي المروزي يقول: سمعت أحمد بن أبي روح يقول: سمعت أبي يقول: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: كان السلف يقولون: إن على كل شيء زكاة وزكاة العقل طول الحزن.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، يقول: سمعت محمد بن أحمد الفراء يقول: سمعت أبا الحسين الوراق يقول سألت أبا عثمان الحيري يوما عن الحزن، فقال: الحزين لا يتفرغ إلى سؤال الحزن فاجتهد في طلب الحزن ثم سل.

[ ص: 270 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية