باب الخشوع والتواضع قال الله تعالى: قد أفلح المؤمنون 1 الذين هم في صلاتهم خاشعون
أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، قال: أخبرنا أبو الفضل سفيان بن الجوهري، قال: حدثنا قال: حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا يحيى بن حماد، عن شعبة، أبان بن ثعلب، عن عن فضيل الفقيمي، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: عبد الله بن مسعود "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان فقال رجل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال الكبر من بطر الحق وغمص الناس".
أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: حدثنا أحمد بن عبيد البصري محمد بن الفضل بن جابر قال: حدثنا أبو إبراهيم قال: حدثنا عن علي بن مسهر ، عن مسلم الأعور ، قال: أنس بن مالك ، قريظة والنضير على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه إكاف من ليف. "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشيع الجنائز، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم
الخشوع: الانقياد للحق.
وقال والتواضع: هو الاستسلام للحق وترك الاعتراض على الحكم حذيفة: أول ما تفقدونه من دينكم الخشوع.
وسئل بعضهم عن الخشوع، فقال: الخشوع قيام القلب بين يدي الحق سبحانه بهم مجموع. [ ص: 276 ]
وقال من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان. وقيل: من علامات الخشوع للعبد أنه إذا أغضب أو خولف أو رد عليه أن يستقبل ذلك بالقبول، وقال بعضهم: خشوع القلب قيد العيون عن النظر. وقال سهل بن عبد الله: محمد بن علي الترمذي: الخاشع من خمدت نيران شهوته وسكن دخان صدره وأشرق نور التعظيم في قلبه فماتت شهوته وحيي قلبه فخشعت جوارحه. وقال الخشوع الخوف الدائم اللازم للقلب. وسئل الحسن البصري: عن الخشوع فقال: تذلل القلوب لعلام الغيوب قال الله تعالى الجنيد وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول ما معناه: متواضعين متخاشعين. وسمعته يقول هم الذين لا يستحسنون شسع نعالهم إذا مشوا، واتفقوا على أن الخشوع محله القلب. ورأى بعضهم رجلا منقبض الظاهر منكسر الشاهد قد زوى منكبيه فقال: يا فلان الخشوع ههنا وأشار إلى صدره لا ههنا وأشار إلى منكبيه.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يعبث في صلاته بلحيته فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه، وقيل: شرط الخشوع في الصلاة أن لا يعرف من على شماله.
قال الأستاذ الإمام: ويحتمل أن يقال: الخشوع إطراق السريرة بشرط الأدب بمشهد الحق سبحانه.
ويقال: الخشوع ذبول يرد على القلب عند اطلاع الرب، ويقال: الخشوع ذوبان القلب وانخناسه عند سلطان الحقيقة، ويقال: الخشوع مقدمات غلبات الهيبة، ويقال: الخشوع قشعريرة ترد على القلب بغتة عند مفاجأة كشف الحقيقة، [ ص: 277 ] وقال كان يكره أن يرى على الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه. وقال الفضيل بن عياض: لو اجتمع الناس على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي لما قدروا عليه. أبو سليمان الداراني:
وقيل: من لم يتضع عند نفسه لم يرتفع عند غيره. وكان لا يسجد إلا على التراب. عمر بن عبد العزيز
أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: حدثنا أحمد بن عبيد البصري إبراهيم بن عبد الله قال: حدثنا أبو الحسن علي بن يزيد الفرائضي قال: حدثنا محمد بن كثير وهو المصيصي عن هارون بن حيان عن حصيف عن عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر"
وقال مجاهد: لما أغرق الله تعالى قوم نوح شمخت الجبال وتواضع الجودي فجعله الله تعالى قرارا لسفينة نوح عليه السلام.
وكان رضى الله عنه يسرع في المشي ويقول إنه أسرع للحاجة وأبعد من الزهو وكان عمر بن الخطاب يكتب ليلة شيئا وعنده ضيف فكاد السراج ينطفئ فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه فقال: لا ليس من الكرم استخدام الضيف قال: فأنبه الغلام قال: لا هي أول نومة نامها فقام إلى البطة وجعل الدهن في المصباح فقال الضيف: قمت بنفسك يا أمير المؤمنين فقال له عمر بن عبد العزيز عمر: ذهبت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلف البعير ويقم [ ص: 278 ] البيت ويخصف النعل ويرقع الثوب ويحلب الشاة ويأكل مع الخادم ويطحن معه إذا أعيا وكان لا يمنعه الحياء أن يحمل بضاعته من السوق إلى أهله وكان يصافح الغني والفقير ويسلم مبتديا ولا يحتقر ما دعي إليه ولو إلى حشف التمر وكان هين المؤنة لين الخلق كريم الطبيعة جميل المعاشرة طلق الوجه بساما من غير ضحك محزونا من غير عبوسة متواضعا من غير مذلة جوادا من غير سرف رقيق القلب رحيما بكل مسلم لم يتجشأ قط من شبع ولم يمد يده إلى طمع.
سمعت يقول: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، يقول: سمعت عبد الله بن محمد الرازي، محمد بن نصر الصائغ، يقول: سمعت مردويه الصائغ، يقول: سمعت يقول: قراء الرحمن أصحاب خشوع وتواضع وقراء القضاة أصحاب عجب وتكبر. وقال الفضيل بن عياض، من رأى لنفسه قيمة فليس له في التواضع نصيب. الفضيل بن عياض:
وسئل الفضيل عن التواضع، فقال: تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله. وقال الفضيل: أوحى الله تعالى إلى الجبال إني مكلم على واحد منكم نبيا فتطاولت الجبال وتواضع طور سيناء فكلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام لتواضعه.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين أحمد بن علي بن جعفر يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول سئل عن التواضع، فقال: خفض الجناح للخلق ولين الجانب لهم. وقال الجنيد وهب مكتوب في بعض ما أنزل الله تعالى من الكتب إني أخرجت الذر من صلب آدم فلم أجد قلبا أشد تواضعا من قلب موسى عليه السلام فلذلك اصطفيته وكلمته. [ ص: 279 ] وقال ابن المبارك التكبر على الأغنياء والتواضع للفقراء من التواضع. وقيل: لأبي يزيد متى يكون الرجل متواضعا؟ فقال: إذا لم ير لنفسه مقاما ولا حالا ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه. وقيل: التواضع نعمة لا يحسد عليها والكبر محنة لا يرحم عليها والعز في التواضع فمن طلبه في الكبر لم يجده.
سمعت يقول: سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، أبا بكر محمد بن عبد الله، يقول: سمعت يقول: الشرف في التواضع والعز في التقوى والحرية في القناعة. إبراهيم بن شيبان
وسمعته يقول: سمعت الحسن الساوي يقول: سمعت ابن الأعرابي، يقول: بلغني أن قال: أعز الخلق خمسة أنفس: عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني. وقال سفيان الثوري، التواضع حسن في كل أحد لكنه في الأغنياء أحسن والتكبر سمج في كل أحد لكنه في الفقراء أسمج. وقال يحيى بن معاذ: التواضع قبول الحق ممن كان. وقيل: ركب ابن عطاء: فدنا زيد بن ثابت ليأخذ بركابه فقال: مه يا ابن عم رسول الله فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا فأخذ ابن عباس يد زيد بن ثابت فقبلها، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابن عباس
وقال رأيت عروة بن الزبير رضى الله عنه وعلى عاتقه قربة ماء فقلت يا أمير المؤمنين لا ينبغي لك هذا فقال: لما أتاني الوفد سامعين مطيعين دخلت في نفسي نخوة فأحببت أن أكسرها ومضى بالقربة إلى حجرة امرأة من الأنصار فأفرغها في إنائها. [ ص: 280 ] عمر بن الخطاب
سمعت أبا حاتم السجستاني يقول: سمعت أبا نصر السراج الطوسي يقول: رؤي وهو أمير أبو هريرة المدينة وعلى ظهره حزمة حطب وهو يقول طرقوا للأمير. وقال عبد الله الرازي: التواضع ترك التمييز في الخدمة سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين محمد بن أحمد بن هارون يقول: سمعت محمد بن العباس الدمشقي يقول: سمعت يقول: سمعت أحمد بن أبي الحواري أبا سليمان الداراني يقول: من رأى لنفسه قيمة لم يذق حلاوة الخدمة. وقال التكبر على من تكبر عليك بماله تواضع. وقال يحيى بن معاذ ذلي عطل ذل اليهود. وجاءه رجل فقال له الشبلي: ما أنت؟ فقال: يا سيدي النقطة التي تحت الباء. فقال له: أنت شاهدي ما لم تجعل لنفسك مقاما. وقال الشبلي: من التواضع أن يشرب الرجل من سؤر أخيه وقال ابن عباس: سلموا على أبناء الدنيا بترك السلام عليهم. وقال بشر: بينا أنا في الطواف إذ لكزني إنسان بمرفقه فالتفت إليه فإذا هو شعيب بن حرب: فقال: يا الفضيل بن عياض أبا صالح إن كنت تظن أنه شهد الموسم شر مني ومنك فبئسما ظننت. وقال بعضهم رأيت في الطواف إنسانا بين يديه شاكريه يمنعون الناس لأجله عن الطواف ثم رأيته بعد ذلك بمدة على جسر بغداد يسأل الناس شيئا [ ص: 281 ] فتعجبت منه فقال لي: أنا تكبرت في موضع يتواضع الناس هناك فابتلاني الله تعالى بالتذلل في موضع يترفع فيه الناس. وبلغ أن ابنا له اشترى فصا بألف درهم فكتب إليه عمر بن عبد العزيز عمر بلغني أنك اشتريت فصا بألف درهم فإذا أتاك كتابي هذا فبع الخاتم وأشبع ألف بطن واتخذ خاتما من درهمين واجعل فصه حديدا صينيا واكتب عليه رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
وقيل: عرض على بعض الأمراء مملوك بألف درهم فلما أحضر الثمن استكثره فبدا له في شرائه فرد الثمن إلى الخزانة فقال العبد: يا مولاي اشترني فإن في بكل درهم من هذه الدراهم خصلة تساوي أكثر من ألف درهم فقال: وما هي؟ فقال: أقلها وأدناها ما لو اشتريتني وقدمتني على جميع مماليكك لا أغلظ في نفسي وأعلم أني عبد فاشتراه.
وحكي عن أنه قال: قومت ثياب رجاء بن حيوة وهو يخطب باثني عشر درهما وكان قباء وعمامة وقميصا وسراويل ورداء وخفين وقلنسوة. وقيل: مشى عمر بن عبد العزيز عبد الله بن محمد بن واسع مشيا لا يحمد فقال له أبوه: وتدري بكم اشتريت أمك. بثلاث مائة درهم وأبوك لا أكثر الله تعالى في المسلمين مثله أبا وأنت تمشي هذه المشية.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين محمد بن أحمد الفراء يقول: سمعت عبد الله بن منازل يقول: سمعت يقول: التواضع أن لا ترى لأحد إلى نفسك حاجة لا في الدين ولا في الدنيا. حمدون القصار
وقال ما سررت في إسلامي إلا ثلاث مرات مرة كنت في سفينة وفيها رجل مضحاك كان يقول كنا نأخذ العلج في بلاد الترك هكذا وكان يأخذ بشعر رأسي ويهزني فيسرني ذلك لأنه لم يكن في تلك السفينة أحد أحقر في عينه مني. [ ص: 282 ] والأخرى كنت عليلا في مسجد فدخل المؤذن وقال اخرج فلم أطق فأخذ برجلي وجرني إلى خارج المسجد. والثالثة كنت إبراهيم بن أدهم بالشام وعلي فرو فنظرت فيه فلم أميز بين شعره وبين القمل لكثرته فسرني ذلك.
وفي حكاية أخرى عنه قال ما سررت بشيء كسروري أني كنت يوما جالسا فجاء إنسان وبال علي.
وقيل: تشاجر أبو ذر وبلال رضي الله عنهما فعير أبو ذر بلالا بالسواد ، فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا إنه بقي في قلبك من كبر الجاهلية شيء فألقى أبا ذر نفسه وحلف أن لا يرفع رأسه حتى يطأ أبو ذر بلال خده بقدمه فلم يرفع حتى فعل بلال ذلك.
ومر الحسن بن علي رضي الله عنهما بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال اليد لهم، لأنهم لم يجدوا غير ما أطمعوني ونحن نجد أكثر منه. وقيل: قسم رضى الله عنه الحلل بين الصحابة من غنيمة فبعث إلى عمر بن الخطاب معاذ حلة يمانية فباعها واشترى ستة أعبد وأعتقهم فبلغ عمر ذلك فكان يقسم الحلل بعده فبعث إليه حلة دون تلك فعاتبه معاذ فقال له عمر: لا معاتبة لأنك بعت الأولى ، فقال معاذ: وما عليك ادفع إلي نصيبي وقد حلفت لأضربن بها رأسك فقال عمر: هذا رأسي بين يديك وقد يرفق الشيخ بالشيخ. [ ص: 283 ]