الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم أبو سليمان داود بن نصير الطائي وكان كبير الشأن.  

أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله ، قال: أخبرنا أبو عمر بن مطر ، قال: حدثنا محمد بن المسيب ، قال: حدثنا ابن خبيق ، قال: قال يوسف بن سباط: ورث داود الطائي عشرين دينارا فأكلها في عشرين سنة.  

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول : كان سبب زهد داود الطائي أنه كان يمر ببغداد فمر يوما فنحاه المطرقون بين يدي حميد الطوسي فالتفت داود فرأى حميدا ، فقال: داود أف لدنيا سبقك بها حميد ولزم البيت وأخذ في الجهد والعبادة ، وسمعت ببغداد بعض الفقراء ، يقول: إن سبب زهده أنه سمع نائحة تنوح ، وتقول:


بأي خديك تبدى البلى وأي عينيك إذن سالا



وقيل: كان سبب زهده أنه كان يجالس أبا حنيفة رضي الله عنه ، فقال له أبو حنيفة يوما: يا أبا سليمان ، أما الأداة فقد أحكمناها ، فقال له داود: فأي شيء بقي؟ فقال: العمل به.

قال داود: فنازعتني نفسي إلى العزلة فقلت لنفسي حتى تجالسهم ولا تتكلم في مسألة قال: فجالستهم سنة لا أتكلم في مسألة ، وكانت المسألة تمر بي ، وأنا إلى الكلام فيها أشد نزاعا من العطشان على الماء البارد ولا أتكلم به، [ ص: 54 ] ثم صار أمره إلى ما صار ، وقيل: حجم جنيد الحجام داود الطائي ، فأعطاه دينارا ، فقيل له: هذا إسراف ، فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له.  

وكان يقول بالليل: إلهي ، همك عطل علي الهموم الدنيوية وحال بيني وبين الرقاد.

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي ، يقول: حدثنا محمد بن يوسف ، قال: حدثنا سعيد بن عمرو ، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي ، قال: حدثنا إسماعيل بن زياد الطائي ، قال: قالت داية داود الطائي له: أما تشتهي الخبز؟ فقال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.

ولما توفي داود رآه بعض الصالحين في المنام وهو يعدو فقال له: ما لك؟ فقال: الساعة تخلصت من السجن فاستيقظ الرجل من منامه ، فارتفع الصياح بقول الناس مات داود الطائي.

وقال له رجل: أوصني ، فقال: عسكر الموت ينتظرونك ، ودخل بعضهم عليه ، فرأى جرة ماء انبسطت عليها الشمس ، فقال له: ألا تحولها إلى الظل ، فقال: حين وضعتها لم يكن شمس ، وأنا أستحي أن يراني الله أمشي لما فيه حظ نفسي.

ودخل عليه بعضهم فجعل ينظر إليه ، فقال: أما علمت أنهم كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.

أخبرنا عن عبد الله بن يوسف الأصبهاني ، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي ، قال: حدثنا قاسم بن أحمد ، قال: سمعت ميمونا الغزالي ، قال: قال أبو الربيع الواسطي: قلت لداود الطائي: أوصني.

قال: صم عن الدنيا ، واجعل فطرك الموت ، وفر من الناس كفرارك من السبع.   [ ص: 55 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية