قال الله عز وجل: لئن شكرتم لأزيدنكم
حدثنا قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان الأهوازي أبو الحسن الصفار قال: حدثنا الأسفاطي قال: حدثنا منجاب قال: حدثنا يحيى بن يعلى، عن أبي خباب، عن عطاء، قال: دخلت على رضي الله عنها مع عائشة فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. عبيد بن عمير،
فبكت، وقالت: وأي شأنه لم يكن عجبا إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي أو قالت: في لحافي حتى مس جلدي جلده ثم قال: يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي.
قالت: قلت: إني أحب قربك.
فأذنت له، فقام إلى قربة من ماء فتوضأ وأكثر صب الماء، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله، ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل علي: إن في خلق السماوات والأرض الآية
قال الأستاذ: عند أهل التحقيق الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع وعلى هذا القول يوصف الحق سبحانه بأنه شكور توسعا ومعناه أنه يجازي العباد على [ ص: 312 ] الشكر فسمى جزاء الشكر شكرا كما قال: حقيقة الشكر وجزاء سيئة سيئة مثلها .
وقيل: شكره إعطاؤه الكثير من الثواب على العمل اليسير من قولهم دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف ويحتمل أن يقال: حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بذكر إحسانه له ثم إن إحسان العبد طاعته لله تعالى وإحسان الحق إنعامه على العبد بالتوفيق للشكر له وشكر العبد على الحقيقة إنما هو نطق اللسان وإقرار القلب بإنعام الرب تعالى.
والشكر ينقسم إلى شكر باللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعت الاستكانة. وشكر بالبدن والأركان وهو اتصاف بالوفاق والخدمة. وشكر بالقلب وهو اعتكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحرمة. ويقال: شكر هو شكر العالمين يكون من جملة أقوالهم. وشكر هو نعت العابدين يكون نوعا من أفعالهم. وشكر هو شكر العارفين يكون باستقامتهم له في عموم أحوالهم. وقال أبو بكر الوراق شكر النعمة مشاهدة المنة وحفظ الحرمة. وقال حمدون القصار أن ترى نفسك فيه طفيليا. وقال شكر النعمة الشكر فيه علة لأنه طالب لنفسه المزيد فهو واقف مع الله سبحانه على حظ نفسه. وقال الجنيد: الشكر معرفة العجز عن الشكر ويقال: الشكر على الشكر أتم من الشكر وذلك بأن ترى شكرك بتوفيقه ويكون ذلك التوفيق من أجل النعم عليك فتشكره على الشكر ثم تشكره على شكر الشكر إلى مالا يتناهى وقيل: الشكر إضافة النعم إلى موليها بنعت الاستكانة. [ ص: 313 ] أبو عثمان:
وقال الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة. وقال الجنيد: رويم الشكر استفراغ الطاقة.
وقيل: الشاكر الذي شكر على الموجود والشكور الذي يشكر على المفقود ويقال: الشاكر الذي يشكر على الرفد والشكور الذي يشكر على الرد ويقال: الشاكر الذي يشكر على النفع والشكور الذي يشكر على المنع ويقال: ويقال: الشاكر الذي يشكر عند البذل والشكور الذي يشكر عند المطل. الشاكر الذي يشكر على العطاء والشكور الذي يشكر على البلاء
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي الأستاذ أبا سهل الصعلوكي يقول: سمعت يقول: سمعت المرتعش يقول كنت بين يدي الجنيد ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي: يا غلام ما الشكر فقلت: أن لا تعصي الله بنعمه فقال: يوشك أن يكون حظك من الله تعالى لسانك. السري
قال فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها الجنيد: السري.
وقال رؤية المنعم لا رؤية النعمة وقيل: الشكر قيد الموجود وصيد المفقود. وقال الشبلي: شكر العامة على المطعم والملبس وشكر الخواص على ما يرد على قلوبهم من المعاني. أبو عثمان
وقيل: قال داود عليه السلام إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك فأوحى الله إليه: الآن قد شكرتني وقيل: قال موسى عليه السلام في مناجاته: إلهي خلقت آدم بيدك فعلت وفعلت ، فكيف شكرك فقال: علم أن ذلك مني فكانت معرفته بذلك شكره لي.
وقيل: كان لبعضهم صديق فحبسه السلطان فأرسل إليه فقال له صاحبه: [ ص: 314 ]
اشكر الله تعالى فضرب الرجل فكتب إليه فقال: اشكر الله تعالى فجئ بمجوسي مبطون وقيد وجعلت حلقة من قيده على رجل هذا وحلقة على رجل المجوسي فكان يقوم المجوسي بالليل مرات وهذا يحتاج أن يقوم على رأسه حتى يفرغ فكتب إلى صاحبه فقال: اشكر الله تعالى فقال: إلى متى تقول وأي بلاء فوق هذا؟ فقال له صاحبه: لو وضع الزنار الذي في وسطه في وسطك كما وضع القيد الذي في رجله في رجلك ماذا كنت تصنع؟.
وقيل: دخل رجل على فقال: إن اللص دخل داري وأخذ متاعي فقال: اشكر الله تعالى لو دخل اللص قلبك وهو الشيطان وأفسد التوحيد ماذا كنت تصنع؟ سهل بن عبد الله
وقيل: أن تستر عيبا تراه بصاحبك شكر العينين أن تستر عيبا تسمعه فيه. وشكر الأذنين
وقيل: الشكر التلذذ بثنائه على ما لم يستوجبه من عطائه.
سمعت يقول: سمعت السلمي يقول: سمعت محمد بن الحسين الحسين بن يحيى يقول: سمعت جعفرا يقول: سمعت يقول: كان الجنيد إذا أراد أن ينفعني يسألني فقال لي يوما: يا السري أبا القاسم إيش الشكر؟ فقلت: أن لا يستعان بشيء من نعم الله تعالى على معاصيه فقال: من أين لك هذا؟ فقلت من مجالستك وقيل: التزم الحسن بن علي الركن وقال: إلهي نعمتني فلم تجدني شاكرا وابتليتني فلم تجدني صابرا فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر ولا أدمت الشدة بترك الصبر إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم.
وقيل: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.
وقيل: أربعة لا ثمرة لأعمالهم [ ص: 315 ] مسارة الأصم وواضع النعمة عند من لا يشكر والباذر في السبخة والمسرج في الشمس. وقيل: لما بشر إدريس عليه السلام بالمغفرة سأل الحياة فقيل له فيه فقال: لأشكره فإني كنت أعمل قبله للمغفرة فبسط الملك جناحه وحمله إلى السماء.
وقيل: مر بعض الأنبياء عليهم السلام بحجر صغير يخرج منه الماء الكثير فتعجب منه فأنطقه الله معه فقال: مذ سمعت الله تعالى يقول: نارا وقودها الناس والحجارة أنا أبكي من خوفه قال فدعا ذلك النبي أن يجير الله ذلك الحجر فأوحى الله تعالى إليه: إني أجرته من النار فمر ذلك النبي فلما عاد وجد الماء يتفجر منه مثل ذلك فعجب فأنطق الله تعالى ذلك الحجر معه فقال: لم تبكي وقد غفر الله تعالى لك فقال: ذلك كان بكاء الحزن والخوف وهذا بكاء الشكر والسرور.
وقيل: لأنه في شهود النعمة قال الله عز وجل: الشاكر مع المزيد لئن شكرتم لأزيدنكم والصابر مع الله تعالى لأنه بشهود المبتلي قال الله عز وجل: إن الله مع الصابرين وقيل: قدم وفد على وكان فيهم شاب فأخذ يخطب فقال عمر بن عبد العزيز عمر: الكبر الكبر فقال له الشاب: يا أمير المؤمنين لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أسن منك فقال: تكلم فقال: لسنا وفد الرغبة ولا وفد الرهبة.
أما الرغبة فقد أوصلها إلينا فضلك.
وأما الرهبة فقد أمننا منها عدلك فقال: فمن أنتم؟ فقال: وفد الشكر جئناك نشكرك وننصرف، وأنشدوا:
ومن الرزية أن شكري صامت عما فعلت وأن برك ناطق أرى الصنيعة منك ثم أسرها
إني إذن ليد الكريم لسارق
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: أرحم عبادي المبتلى والمعافى فقال: ما بال المعافى فقال: لقلة شكرهم على عافيتي إياهم.
[ ص: 316 ] وقيل: الحمد على الأنفاس والشكر على نعم الحواس وقيل: الحمد: ابتداء منه والشكر افتداء منك، وفي الخبر الصحيح أول من يدعى إلى الجنة الحامدون لله تعالى على كل حال.
وقيل: الحمد على ما دفع والشكر على ما صنع.
وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في بعض الأسفار شيخا كبيرا قد طعن في السن فسألته عن حاله فقال: إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي وهي لي كذلك تهواني فاتفق أنها زوجت مني فليلة زفافها قلنا: تعال حتى نحيي هذه الليلة شكرا لله تعالى على ما جمعنا فصلينا تلك الليلة ولم يتفرغ أحدنا لصاحبه فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك فمنذ سبعين أو ثمانين سنة نحن على تلك الصفة كل ليلة أليس كذلك يا فلانة؟ فقالت العجوز: كما يقول الشيخ. [ ص: 317 ]