قال الله تعالى: واصبر وما صبرك إلا بالله
أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد الأهوازي قال: حدثنا أحمد بن عبيد البصري أحمد بن علي الخراز قال: حدثنا قال: حدثنا أسيد بن زيد عن مسعود بن سعد، الزيات، عن عن أبي هريرة، رضي الله عنها رفعته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عائشة "إن الصبر عند الصدمة الأولى"
وأخبرنا علي بن أحمد قال: أخبرنا قال: حدثنا أحمد بن عبيد أحمد بن عمر قال: حدثنا قال: حدثنا محمد بن مرداس عن يوسف بن عطية عن عطاء بن أبي ميمونة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك "الصبر عند الصدمة الأولى"
ثم صبر على ما هو كسب للعبد وصبر على ما ليس بكسب ، فالصبر على المكتسب على قسمين: صبر على ما أمر الله تعالى به وصبر على ما نهى عنه وأما الصبر على ما ليس بمكتسب للعبد فصبره على مقاساة ما يتصل به من حكم الله فيما يناله فيه مشقة. الصبر على أقسام:
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي الحسين بن يحيى يقول: سمعت يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: المسير من الدنيا إلى الآخرة سهل هين على المؤمن وهجران الخلق في جنب الله شديد والمسير من النفس إلى الله تعالى صعب شديد والصبر مع الله عز وجل أشد فسئل عن الصبر فقال: تجرع المرارة من غير تعبيس وقال الجنيد كرم الله وجهه: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد [ ص: 323 ] وقال علي بن أبي طالب أبو القاسم الحكيم قوله تعالى: واصبر أمر بالعبادة وقوله تعالى: وما صبرك إلا بالله عبودية فمن ترقى من درجة لك إلى درجة بك فقد انتقل من درجة العبادة إلى درجة العبودية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بك أحيا وبك أموت".
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا جعفر الرازي عياشا يقول: سمعت أحمد يقول: سألت أبا سليمان عن الصبر فقال: والله ما نصبر على ما نحب فكيف على ما نكره. وقال الصبر: التباعد عن المخالفات والسكون عند تجرع غصص البلية وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحات المعيشة. وقال ذو النون: الصبر: الوقوف مع البلاء بحسن الأدب. وقيل: هو الفناء في البلوى بلا ظهور شكوى. وقال ابن عطاء: الصبار الذي عود نفسه الهجوم على المكاره. وقيل: الصبر المقام مع البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية. وقال أبو عثمان: أحسن الجزاء على عبادة الجزاء على الصبر ولا جزاء فوقه قال الله عز وجل: أبو عثمان ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون . وقال عمرو بن عثمان: الصبر هو الثبات مع الله تعالى وتلقي بلائه بالرحب والدعة. وقال الخواص: الصبر الثبات على أحكام الكتاب والسنة. وقال صبر المحبين أشد من صبر الزاهدين واعجبا كيف يصبرون وأنشدوا: يحيى بن معاذ
الصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه لا يحمد
وقال رويم: الصبر ترك الشكوى. [ ص: 324 ] وقال الصبر هو الاستعانة بالله تعالى. ذو النون:
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، يقول: الصبر كاسمه.
وأنشدني الشيخ أبو عبد الرحمن، قال: أنشدني قال: أنشدني أبو بكر الرازي، لنفسه: ابن عطاء
سأصبر كي ترضى وأتلف حسرة وحسبي أن ترضى ويتلفني صبري
وقال أبو عبد الله بن خفيف: الصبر على ثلاثة أقسام: متصبر وصابر وصبار.
وقال رضي الله عنه: الصبر مطية لا تكبو. علي بن أبي طالب
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين، علي بن عبد الله البصري، يقول: وقف رجل على فقال: أي صبر أشد على الصابرين؟ فقال: الصبر في الله عز وجل، فقال: لا، فقال: الصبر لله تعالى. الشبلي،
قال: لا، قال: الصبر مع الله تعالى.
قال: لا، قال: فأي شيء؟ قال: الصبر عن الله عز وجل.
قال: فصرخ صرخة كادت روحه أن تتلف. وسمعته يقول: سمعت الشبلي محمد بن عبد الله بن شاذان، يقول: سمعت يقول: الصبر أن لا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتصبر هو السكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة، وأنشد بعضهم: أبا محمد الجريري،
صبرت ولم أطلع هواك على صبري وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر
مخافة أن يشكو ضميري صبابتي إلى دمعتي سرا فتجري ولا أدري
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، يقول: [ ص: 325 ]
فاز الصابرون بعز الدارين، لأنهم نالوا من الله تعالى معيته، قال الله تعالى: إن الله مع الصابرين . وقيل: في معنى قوله: اصبروا وصابروا ورابطوا ، الصبر دون المصابرة، والمصابرة دون المرابطة، وقيل: اصبروا بنفوسكم على طاعة الله تعالى، وصابروا بقلوبكم على البلوى في الله تعالى، ورابطوا بأسراركم على الشوق إلى الله تعالى، وقيل: اصبروا في الله تعالى وصابروا بالله تعالى ورابطوا مع الله تعالى.
وقيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: تخلق بأخلاقي وإن من أخلاقي أنني أنا الصبور. وقيل: تجرع الصبر فإن قتلك قتلك شهيدا، وإن أحياك أحياك عزيزا، وقيل: الصبر لله تعالى عناء، والصبر بالله تعالى بقاء، والصبر في الله تعالى بلاء، والصبر مع الله تعالى وفاء، والصبر عن الله تعالى جفاء، وأنشدوا:
والصبر عنك فمذموم عواقبه والصبر في سائر الأشياء محمود
وأنشدوا:
وكيف الصبر عمن حل مني بمنزلة اليمين من الشمال
إذا لعب الرجال بكل شيء رأيت الحب يلعب بالرجال
وقيل الصبر على الطلب عنوان الظفر والصبر في المحن عنوان الفرج.
سمعت منصور بن خلف المغربي يقول: جرد واحد للسياط فلما رد إلى السجن دعا ببعض أصحابه فتفل على يده وألقى من فمه دقاق الفضة على يده فسئل فقال: كان في فمي درهمان وكان على حاشية الحلقة لي عين لم أرد أن أصيح لرؤيته إياي فكنت أعض على الدرهمين فتكسرا في فمي [ ص: 326 ] وقيل: حالك التي أنت فيها رباطك وما دون الله تعالى أعداؤك فأحسن المرابطة في رباط حالك.
وقيل: المصابرة هي الصبر على الصبر حتى يستغرق الصبر في الصبر فيعجز الصبر عن الصبر كما قيل:
صابر الصبر فاستغاث به الصبر فصاح المحب بالصبر صبرا
وفي بعض الأخبار: بعيني ما لم يتحمل المتحملون من أجلي. وقال الله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وقال بعضهم: كنت بمكة حرسها الله تعالى فرأيت فقيرا طاف بالبيت وأخرج من جيبه رقعة ونظر فيها ومر فلما كان بالغد فعل مثل ذلك فترقبته أياما وهو يفعل مثله فيوما من الأيام طاف ونظر في الرقعة وتباعد قليلا وسقط ميتا فأخرجت الرقعة من جيبه فإذا فيها: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وقيل: رؤي حدث يضرب وجه شيخ بنعله فقيل له: ألا تستحي تضرب حر وجه شيخ بمثل هذا؟! فقال: جرمه عظيم فقيل: وما ذاك؟ فقال: هذا الشيخ يدعي أنه يهواني ومنذ ثلاث ما رآني. وقال بعضهم: دخلت بلاد الهند فرأيت رجلا بفرد عين يسمى فلانا الصبور فسألت عن حاله فقيل هذا في عنفوان شبابه سافر صديق له فخرج في وداعه فدمعت إحدى عينيه ولم تبك الأخرى فقال: لعينه التي لم تدمع لم لم تدمعي على فراق صاحبي؟ لأحرمنك النظر إلى الدنيا وغمض عينه فمنذ ستين سنة لم يفتح عينه. [ ص: 327 ]
وقيل: في قوله تعالى: فاصبر صبرا جميلا الصبر الجميل أن يكون صاحب المصيبة في القوم لا يدرى من هو وقال رضي الله عنه: لو كان الصبر والشكر بعيرين لم أبال أيهما ركبت وكان عمر بن الخطاب إذا نزل به بلاء قال: سحابة ثم تنقشع وفي الخبر. ابن شبرمة
أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان فقال: الصبر والسماحة
أخبرنا قال: أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن أحمد بن طاهر الصوفي قال: حدثنا محمد بن علي التيجاني قال: حدثنا قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: حدثنا موسى بن إسماعيل سويد بن حاتم قال: حدثنا عن أبيه، عن جده، قال: عبد الله بن عبيد بن عمير، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: الصبر والسماحة
وسئل عن الصبر فجعل يتكلم فيه فدب على رجله عقرب وهي تضربه بإبرتها ضربات كثيرة وهو ساكن فقيل له: لم لم تنحها؟ قال: استحييت من الله تعالى أن أتكلم في الصبر ولم أصبر وفي بعض الأخبار: السري الفقراء الصبر هم جلساء الله يوم القيامة.
وأوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه أنزلت بعبدي بلائي فدعاني فماطلته بالإجابة فشكاني فقلت: عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك. وقال في معنى قوله تعالى: ابن عيينة وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا قال: لما أخذوا برأس الأمر جعلناهم رؤساء سمعت الأستاذ أبا علي يقول: إن الصبر حده أن لا تعترض على التقدير فأما إظهار البلاء على غير وجه الشكوى فلا ينافي الصبر قال الله تعالى في قصة أيوب: إنا وجدناه صابرا نعم العبد مع ما أخبرنا عنه أنه قال: مسني الضر [ ص: 328 ] وسمعته يقول: استخرج الله منه هذه المقالة يعني قوله: مسني الضر لتكون متنفسا لضعفاء هذه الأمة.
وقال بعضهم: إنا وجدناه صابرا ولم يقل: صبورا لأنه لم يكن جميع أحواله الصبر بل كان في بعض أحواله يستلذ البلاء ويستعذبه فلم يكن في حالة الاستلذاذ صابرا فلذلك لم يقل صبورا.
سمعت الأستاذ أبا علي يقول: الخروج من البلاء على حسب الدخول فيه مثل حقيقة الصبر أيوب عليه السلام قال في آخر بلائه: مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فحفظ أدب الخطاب حيث عرض بقوله: وأنت أرحم الراحمين ولم يصرح بقوله ارحمني.
واعلم أن صبر العابدين وصبر المحبين فصبر العابدين أحسنه أن يكون محفوظا وصبر المحبين أحسنه أن يكون مرفوضا. الصبر على ضريين
وفي معناه أنشدوا:
تبين يوم البين أن اعتزامه على الصبر من إحدى الظنون الكواذب
وفي هذا المعنى سمعت الأستاذ أبا علي رحمه الله تعالى يقول أصبح يعقوب عليه السلام وقد وعد الصبر من نفسه فقال: فصبر جميل أي: فشأني صبر جميل ، ثم لم يمس حتى قال يا أسفى على يوسف .
[ ص: 329 ]