الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 347 ] باب العبودية قال الله عز وجل : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ،

أخبرنا أبو الحسن الأهوازي قال : أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار قال : حدثنا عبيد بن شريك قال : حدثنا يحيى قال : حدثنا مالك ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن عمر بن الخطاب ، عن أبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ،  وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ،  ورجل قلبه معلق بالمسجد  إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ،  ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ،  ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين ،  

ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه  


سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق رحمه الله يقول : العبودية أتم من العبادة فأولا عبادة ثم عبودية ثم عبودة فالعبادة للعوام من المؤمنين والعبودية للخواص والعبودة لخاص الخاص ،

وسمعته يقول : العبادة لمن له علم اليقين والعبودية لمن له عين اليقين والعبودة لمن له حق اليقين ،

وسمعته يقول : العبادة لأصحاب المجاهدات والعبودية لأرباب المكابدات والعبودة صفة أهل المشاهدات فمن لم يدخر عنه نفسه فهو صاحب عبادة ومن لم يضن عليه بقلبه فهو صاحب عبودية ومن لم يبخل عليه بروحه فهو صاحب عبودة ، ويقال : العبودية القيام بحق الطاعات بشرط التوقير ، والنظر إلى ما منك بعين التقصير ، وشهود ما يحصل من مناقبك من التقدير ويقال : العبودية ترك الاختيار فيما يبدو من الأقدار ، [ ص: 348 ] ويقال : العبودية التبري من الحول والقوة والإقرار بما يعطيك ويوليك من الطول والمنة ، ويقال : العبودية معانقة ما أمرت به ومفارقة ما زجرت عنه ،

وسئل محمد بن خفيف : متى تصح العبودية ؟ فقال : إذا طرح كله على مولاه وصبر معه على بلواه ،

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت أبا العباس البغدادي يقول : سمعت جعفر بن محمد بن نصير يقول : سمعت ابن مسروق يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول : لا يصح التعبد لأحد حتى لا يجزع من أربعة أشياء : من الجوع والعري والفقر والذل ، وقيل : العبودية أن تسلم إليه كلك وتحمل عليك كلك ، وقيل : من علامات العبودية  ترك التدبير وشهود التقدير ، وقال ذو النون المصري : العبودية أن تكون عبده في كل حال كما أنه ربك في كل حال ، وقال الجريري : عبيد النعم كثير عديدهم وعبيد المنعم عزيز وجودهم ،

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : أنت عبد من أنت في رقه وأسره فإن كنت في أسر نفسك فأنت عبد نفسك وإن كنت في أسر دنياك فأنت عبد دنياك ،

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، تعس عبد الخميصة ،  

ورأى أبو زيد رجلا فقال له : ما حرفتك ؟ فقال : خربنده فقال : أمات الله تعالى حمارك لتكون عبد الله لا عبد الحمار ،

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت جدي أبا عمرو بن نجيد يقول : لا تصفو لأحد قدم في العبودية حتى يشاهد أعماله عنده رياء وأحواله دعاوى ، وسمعته يقول : سمعت عبد الله المعلم يقول : سمعت عبد الله بن منازل يقول : العبد عبد ما لم يطلب لنفسه خادما [ ص: 349 ] فإذا طلب لنفسه خادما فقد سقط عن حد العبودية وترك آدابها ،

وسمعته يقول : سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت جعفر بن نصير يقول : سمعت ابن مسروق يقول : سمعت سهل بن عبد الله يقول لا يصلح للعبد التعبد حتى يكون بحيث لا يرى عليه أثر المسكنة في العدم ، ولا أثر الغي في الوجود وقيل : العبودية شهود الربوية ،  

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول : سمعت النصراباذي يقول قيمة العابد بمعبوده ، كما أن شرف العارف بمعروفه ، وقال أبو حفص : العبودية زينة العبد فمن تركها تعطل من الزينة ،

سمعت محمد بن الحسين يقول : سمعت أبا جعفر الرازي يقول : سمعت عباس بن حمزة يقول : أخبرنا أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت النباجي يقول : أصل العبادة  في ثلاثة أشياء لا ترد من أحكامه شيئا ولا تدخر عنه شيئا ولا يسمعك تسأل غيره حاجة ،

وسمعته يقول : سمعت أبا الحسين الفارسي يقول : سمعت ابن عطاء يقول العبودية في أربع خصال :  الوفاء بالعهود والحفظ للحدود والرضا بالموجود والصبر عن المفقود وسمعته يقول : سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت الكتاني يقول : سمعت عمرو بن عثمان المكي يقول : ما رأيت أحدا من المتعبدين في كثرة من لقيت بمكة حرسها الله تعالى وغيرها ولا أحد ممن قدم علينا في المواسم أشد اجتهادا ولا أدوم على العبادة من المزني رحمه الله تعالى ولا رأيت أحدا أشد تعظيما لأوامر الله تعالى منه ، وما رأيت أحدا أشد تضييقا على نفسه وتوسعه على الناس منه ،

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول ليس شيء أشرف من العبودية ولا اسم أتم للمؤمن من الاسم له بالعبودية ولذلك قال سبحانه في وصف النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وكان أشرف أوقاته في الدنيا : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام وقال تعالى : فأوحى إلى عبده ما أوحى فلو كان اسم أحل من العبودية لسماه به [ ص: 350 ] وفي معناه أنشدوا :


يا عمرو ثاري عند زهرائي يعرفه السامع والرائي     لا تدعني إلا بيا عبدها
فإنه أشرف أسمائي



وقال بعضهم : إنما هو شيئان سكونك إلى اللذة واعتمادك على الحركة فإذا أسقطت عنك هذين فقد أديت العبودية حقها كما قال الواسطي : احذروا لذة العطاء فإنه غطاء لأهل الصفاء وقال أبو علي الجوزجاني : الرضا دار العبودية والصبر بابه والتفويض بيته فالصوت على الباب والفراغة في الدار والراحة في البيت ،

سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول كما أن الربوية نعت للحق سبحانه لا يزول فالعبودية صفة للعبد لا تفارقه ما دام وأنشد بعضهم :


فإن تسألوني قلت : ها أنا عبده     وإن سألوه قال هذاك مولايا



سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت النصراباذي يقول : العبادات إلى طلب الصفح والعفو عن تقصيرها أقرب منها على طلاب الأعواض والجزاء عليها وسمعته يقول : سمعت النصراباذي يقول : العبودية إسقاط رؤية التعبد في مشاهد المعبود  وسمعته يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت الجريري يقول : سمعت الجنيد يقول : العبودية ترك الأشغال والاشتغال بالشغل الذي هو أصل الفراغة ، [ ص: 351 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية