أخبرنا قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان الأهوازي قال: أخبرنا أحمد بن عبيد البصري ابن أبي قماش قال: أخبرنا إسماعيل بن زرارة ، عن حماد بن يزيد قال: أخبرنا ، عن أبيه، قال: عطاء بن السائب صلاة فأوجز فيها فقلت: خففت عمار بن ياسر أبا اليقظان
فقال: وما علي من ذلك، ولقد دعوت الله بدعوات سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما قام تبعه رجل من القوم فسأله عن الدعوات، فقال: اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيرا لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيما لا يبيد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، وأسألك النظر إلى وجهك الكريم، وشوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، اللهم اجعلنا هداة مهتدين . صلى بنا
قال الأستاذ: الشوق: اهتياج القلوب إلى لقاء المحبوب، وعلى قدر المحبة يكون الشوق.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يفرق بين الشوق والاشتياق ويقول: الشوق يسكن باللقاء والرؤية، والاشتياق لا يزول باللقاء، وفي معناه أنشدوا:
[ ص: 497 ]
ما يرجع الطرف عنه عند رؤيته حتى يعود إليه الطرف مشتاقا
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: للخلق كلهم مقام الشوق، وليس لهم مقام الاشتياق، ومن دخل في حال الاشتياق هام فيه حتى لا يرى له أثر ولا قرار. النصراباذي
وقيل: جاء أحمد بن حامد الأسود إلى فقال: رأيت في المنام أنك تموت إلى سنة فلو استعددت للخروج، فقال له عبد الله بن المبارك : لقد أجلتنا إلى أمد بعيد، أعيش أنا إلى سنة، لقد كان لي أنس بهذا البيت الذي سمعته من هذا الثقفي -يعني: عبد الله بن المبارك أبا علي -:
يا من شكا شوقه من طول فرقته اصبر لعلك تلقى من تحب غدا
وقال : أبو عثمان علامة الشوق حب الموت مع الراحة.
وقال : علامة الشوق فطام الجوارح عن الشهوات. يحيى بن معاذ
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: خرج داود -عليه السلام- يوما إلى بعض الصحاري منفردا، فأوحى الله -تعالى- إليه: ما لي أراك يا داود وحدانيا؟ ، فقال: يا إلهي استأثر الشوق إلى لقائك على قلبي، فحال بيني وبين صحبة الخلق، فأوحى الله -تعالى- إليه: ارجع إليهم، فإنك إن أتيتني بعبد آبق أثبتك في اللوح المحفوظ جهبذا.
وقيل: كانت عجوز قدم بعض أقاربها من السفر، فأظهر قومها السرور، والعجوز تبكي، فقيل لها: ما يبكيك؟ فقالت: ذكرني قدوم هذا الفتى يوم القدوم على الله -تعالى-.
وسئل عن الشوق، فقال: احتراق الأحشاء، وتلهب القلوب، وتقطع الأكباد. ابن عطاء
وسئل أيضا عن الشوق فقيل له: الشوق أعلى أم المحبة؟ فقال: المحبة؛ لأن الشوق منها يتولد.
وقال بعضهم: الشوق لهيب ينشأ بين أثناء الحشا، يسنح عن الفرقة، فإذا وقع اللقاء طفئ، وإذا كان الغالب على الأسرار مشاهدة المحبوب لم يطرقها الشوق.
وقيل لبعضهم: هل تشتاق؟ ، فقال: لا إنما الشوق إلى غائب، وهو حاضر.
[ ص: 498 ]
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في قوله -عز وجل-: وعجلت إليك رب لترضى قال: معناه: شوقا إليك، فستره بلفظ الرضا.
وسمعته -رحمه الله تعالى- يقول: من علامات الشوق تمني الموت على بساط العوافي كيوسف -عليه السلام- لما ألقي في الجب لم يقل: توفني، ولما أدخل السجن لم يقل: توفني، ولما دخل عليه أبواه وخر الإخوة له سجدا، وتم له الملك والنعم قال: توفني مسلما وفي معناه أنشدوا:
نحن في أكمل السرور ولكن ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي أنكم غيب ونحن حضور
وفي معناه أنشدوا:
من سره العيد الجديد فقد عدمت به السرورا
كان السرور يتم لي لو كان أحبابي حضورا
وقال ابن خفيف : الشوق ارتياح القلوب بالوجد، ومحبة اللقاء والقرب.
وقال أبو يزيد : إن لله عبادا لو حجبهم في الجنة عن رؤيته لاستغاثوا من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار.
أخبرنا محمد بن عبد الله الصوفي ، قال: أخبرنا أبو العباس الهاشمي بالبيضاء، قال: حدثنا ، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي عبد الله الأنصاري ، قال: سمعت الحسين الأنصاري يقول: رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وشخص قام تحت العرش فيقول الحق –سبحانه-: يا ملائكتي من هذا؟ فقالوا: الله أعلم، فقال: هذا سكر من حبي فلا يفيق إلا بلقائي. معروف الكرخي
وفي بعض الحكايات في مثل هذا المنام أنه قيل: هذا خرج من الدنيا مشتاقا إلى الله؛ فأباح الله -عز وجل- له النظر إليه. معروف الكرخي
وقال فارس : قلوب المشتاقين منورة بنور الله -تعالى-، فإذا تحرك اشتياقهم أضاء النور ما بين السماء والأرض، فيعرضهم الله -تعالى- على الملائكة فيقول: هؤلاء المشتاقون إلي، أشهدكم أني إليهم أشوق.
[ ص: 499 ] سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول في قوله -صلى الله عليه وسلم-: أسألك الشوق إلى لقائك. قال: كان الشوق مائة جزء، تسعة وتسعون له، وجزء متفرق في الناس، فأراد أن يكون ذلك الجزء له أيضا فغار أن يكون شظية من الشوق لغيره.
وقيل: شوق أهل القرب أتم من شوق المحجوبين؛ ولهذا قيل:
وأبرح ما يكون الشوق يوما إذا دنت الخيام من الخيام
وقيل: إن المشتاقين يتحسسون حلاوة الموت عند وروده؛ لما قد كشف لهم من روح وصول أحلى من الشهد.
سمعت يقول: سمعت محمد بن الحسين عبد الله بن علي يقول: سمعت جعفرا يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد يقول: الشوق أجل مقام للعارف إذا تحقق فيه، وإذا تحقق في الشوق لها عن كل شيء يشغله عمن يشتاق إليه. السري
وقال في قوله -عز وجل-: أبو عثمان الحيري فإن أجل الله لآت هذا تعزية للمشتاقين معناه: أني أعلم أن اشتياقكم إلي غالب، وأنا أجلت للقائكم أجلا، وعن قريب يكون وصولكم إلى من تشتاقون إليه.
وقيل: أوحى الله -تعالى- إلى داود -عليه السلام-: قل لشبان بني إسرائيل لم تشغلون أنفسكم بغيري وأنا مشتاق إليكم، ما هذا الجفاء!.
وقيل: أوحى الله -عز وجل- إلى داود -عليه السلام-: لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا إلي، وانقطعت أوصالهم من محبتي، يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي في المقبلين إلي؟
وقيل: مكتوب في التوراة: شوقناكم فلم تشتاقوا، وخوفناكم فلم تخافوا، ونحنا لكم فلم تنوحوا.
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: بكى شعيب حتى عمي فرد الله -عز وجل- بصره عليه، ثم بكى حتى عمي، فرد الله -عز وجل- بصره عليه، ثم بكى حتى عمي، فأوحى الله [ ص: 500 ] -تعالى- إليه: إن كان هذا البكاء لأجل الجنة فقد أبحتها لك، وإن كان لأجل النار فقد أجرتك منها، فقال: لا، بل شوقا إليك، فأوحى الله -عز وجل- إليه: لأجل ذلك أخدمتك نبيي وكليمي عشر سنين.
وقيل: من اشتاق إلى الله اشتاق إليه كل شيء.
وفي الخبر: اشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان .
سمعت الأستاذ أبا علي يقول: قال بعض المشايخ: أنا أدخل السوق، والأشياء تشتاق إلي، وأنا عن جميعها حر.
سمعت الشيخ يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي عبد الله بن جعفر يقول: سمعت محمد بن عمر الرملي ، يقول: حدثنا محمد بن جعفر الإمام قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا مرحوم قال: سمعت يقول: قرأت في التوراة: شوقناكم فلم تشتاقوا، وزمرنا لكم فلم ترقصوا. مالك بن دينار
سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت محمد بن فرحان يقول: سمعت وقد سئل من أي شيء يكون بكاء المحب إذا لقي المحبوب؟ فقال: إنما يكون ذلك سرورا به، ووجدا من شدة الشوق إليه، ولقد بلغني أن أخوين تعانقا، فقال: أحدهما واشوقاه، وقال الآخر: واوجداه. الجنيد
[ ص: 501 ]