[ ص: 538 ]
سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت محمد بن الفرحان يقول: سمعت يقول: سمعت الجنيد أبا جعفر الخصاف يقول: حدثني جابر الرحبي قال: أكثر أهل الرحبة علي الإنكار في باب الكرامات، فركبت السبع يوما ودخلت الرحبة وقلت: أين الذين يكذبون أولياء الله؟ قال: فكفوا بعد ذلك عني.
سمعت منصورا المغربي يقول: رأى بعضهم الخضر -عليه السلام-، فقال له: هل رأيت فوقك أحدا؟ ، فقال: نعم كان يروي الأحاديث عبد الرزاق بن همام بالمدينة والناس حوله يستمعون، فرأيت شابا بالبعد منهم رأسه على ركبته، فقلت له: هذا يروي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم لا تسمع منه؟ ، فقال: إنه يروي عن ميت، وأنا لست بغائب عن الله -عز وجل- فقلت له: إن كنت كما تقول فمن أنا؟ فرفع رأسه، وقال: أنت أخي عبد الرزاق أبو العباس الخضر ، فعلمت أن لله عبادا لم أعرفهم.
وقيل: كان صاحب يقال له لإبراهيم بن أدهم يحيى يتعبد في غرفة ليس إليها سلم ولا درج، فكان إذا أراد أن يتطهر يجيء إلى باب الغرفة ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويمر في الهواء كأنه طير، ثم يتطهر فإذا فرغ يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويعود إلى غرفته.
أخبرنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: سمعت عمر بن محمد بن أحمد الشيرازي بالبصرة قال: سمعت أبا محمد جعفر الحذاء بشيراز قال: كنت أتأدب بأبي عمر الإصطخري فكان إذا خطر لي خاطر أخرج إلى إصطخر فربما أجابني عما أحتاج إليه من غير أن أسأله، وربما سألت فأجابني، ثم شغلت عن الذهاب، فكان إذا خطر على سري مسألة أدبني من إصطخر فيخاطبني بما يرد علي.
وحكي عن بعضهم قال: مات فقير في بيت مظلم، فلما أردنا غسله تكلفنا طلب سراج، فوقع من كوة ضوء، فأضاء البيت فغسلناه، فلما فرغنا ذهب الضوء كأنه لم يكن.
[ ص: 539 ]
وعن قال: كنا آدم بن أبي إياس بعسقلان وشاب يغشانا ويجالسنا، ويتحدث معنا، فإذا فرغنا قام إلى الصلاة يصلي. قال: فودعني يوما، وقال: أريد الإسكندرية فخرجت معه، وناولته دريهمات، فأبى أن يأخذها فألححت عليه، فألقى كفا من الرمل في ركوته واستقى من ماء البحر، وقال: كله، فنظرت فإذا هو سويق بسكر كثير، فقال: من كان حاله معه مثل هذا يحتاج إلى دراهمك؟ ثم أنشأ يقول:
بحق الهوى يا أهل ودي تفهموا لسان وجود بالوجود غريب حرام على قلب تعرض للهوى
يكون لغير الحق فيه نصيب
ولغيره:
ليس في القلب والفؤاد جميعا موضع فارغ يراه الحبيب
هو سؤلي ومنيتي وسروري وبه ما حييت عيشي يطيب
وإذا ما السقام حل بقلبي لم أجد غيره لسقمي طبيب
وحكي عن إبراهيم الآجري قال: جاءني يهودي يتقاضى علي في دين كان له علي، وأنا قاعد عند الأتون أوقد تحت الآجر، فقال لي اليهودي: يا إبراهيم أرني آية أسلم عليها، فقلت له: تفعل؟ قال: نعم، فقلت: انزع ثوبك، فنزع فلففته ولففت على ثوبه ثوبي، وطرحته في النار، ثم دخلت الأتون وأخرجت الثوب من وسط النار، وخرجت من الباب الآخر، فإذا ثيابي بحالها لم يصبها شيء، وثيابه في وسطها حراقة فأسلم اليهودي.
وقيل: كان حبيب العجمي يرى بالبصرة يوم التروية ويوم عرفة بعرفات. سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: تزوج عباس بن المهتدي امرأة، فلما كانت ليلة الدخول وقع عليه ندامة، فلما أراد الدنو منها زجر عنها فامتنع من وطئها وخرج، وبعد ثلاثة أيام ظهر لها زوج.
[ ص: 540 ]
قال الأستاذ: هذا هو الكرامة على الحقيقة؛ حيث حفظ عليه العلم.
وقيل: كان الفضيل على جبل من جبال منى، فقال: لو أن وليا من أولياء الله -تعالى- أمر هذا الجبل أن يميد لماد، قال: فتحرك الجبل، فقال: اسكن لم أردك بهذا، فسكن الجبل، وقال عبد الواحد بن زيد لأبي عاصم البصري : كيف صنعت حين طلبك الحجاج ؟ قال: كنت في غرفتي فدقوا علي الباب فدخلوا، فدفعت بي دفعة فإذا أنا على أبي قبيس بمكة فقال لي عبد الواحد : من أين كنت تأكل؟ قال: كانت تصعد إلي عجوز كل وقت إفطاري بالرغيفين اللذين كنت آكلهما بالبصرة، فقال عبد الواحد : تلك الدنيا أمرها الله -تعالى- أن تخدم أبا عاصم.
وقيل: كان عامر بن عبد قيس يأخذ عطاءه ولا يستقبله أحد إلا أعطاه شيئا، وكان إذا أتى منزله رمى إليه بالدراهم، فيكون بمقدار ما أخذه لم ينقص شيئا.
سمعت أبا عبد الله الشيرازي يقول: سمعت أبا أحمد الكبير يقول: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول: سمعت أبا عمر الزجاجي يقول: دخلت على الجنيد وكنت أريد أن أخرج إلى الحج، فأعطاني درهما صحيحا، فشددته على مئزري فلم أدخل منزلا إلا وجدت رفقاء، ولم أحتج إلى الدرهم، فلما حججت ورجعت إلى بغداد دخلت على فمد يده وقال: هات، فناولته الدرهم، فقال: كيف كان؟ فقلت: كان الحتم نافذا. الجنيد
وحكي عن أبي جعفر الأعور قال: كنت عند فتذاكرنا حديث طاعة الأشياء للأولياء، وقال ذي النون المصري : من الطاعة أن أقول لهذا السرير يدور في أربع زوايا البيت، ثم يرجع إلى مكانه فيفعل، قال: فدار السرير في أربع زوايا البيت وعاد إلى مكانه، وكان هناك شاب فأخذ يبكي حتى مات في الوقت. ذو النون
[ ص: 541 ] وقيل: إن واصلا الأحدب قرأ: وفي السماء رزقكم وما توعدون ، فقال: رزقي في السماء، وأنا أطلبه في الأرض، والله لا طلبته أبدا، فدخل خربة ومكث يومين فلم يظهر عليه شيء، فاشتد عليه، فلما كان اليوم الثالث إذا بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن منه نية، فصار معه فإذن قد صار دوخلتين، فلم يزل ذلك حالهما حتى فرق بينهما الموت.
وقال بعضهم: أشرفت على وهو في بستان يحفظه، وقد أخذه النوم، وإذا حية في فيها طاقة نرجس تروحه بها. إبراهيم بن أدهم
وقيل: كان جماعة مع أيوب السجستاني في السفر، فأعياهم طلب الماء، فقال أيوب : أتسترون علي ما عشت؟ فقالوا: نعم، فدور دائرة فنبع الماء فشربنا، قال: فلما قدموا البصرة أخبر به ، فقال حماد بن زيد : شهدت معه ذلك اليوم. عبد الواحد بن زيد
وقال : كنا مع بكر بن عبد الرحمن في البادية، فنزلنا تحت شجرة أم غيلان، فقلنا: ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب، فتبسم ذي النون المصري وقال: أتشتهون الرطب، وحرك الشجرة، وقال: أقسمت عليك بالذي ابتدأك وخلقك شجرة إلا نثرت علينا رطبا جنيا، ثم حركها فنثرت رطبا جنيا، فأكلنا وشبعنا، ثم نمنا فانتبهنا وحركنا الشجرة فنثرت علينا شوكا. ذو النون
وحكي عن أبي القاسم بن مروان النهاوندي قال: كنت أنا وأبو بكر الوراق مع أبي سعيد نمشي على ساحل البحر نحو صيدا فرأى شخصا من بعيد، فقال: اجلسوا لا يخلوا هذا الشخص أن يكون وليا من أولياء الله. قال: فما لبثنا أن جاء شاب حسن الوجه وبيده ركوة ومعه محبرة وعليه مرقعة، فالتفت أبو سعيد إليه منكرا عليه لحمله المحبرة مع الركوة، فقال له: يا فتى، كيف الطريق إلى الله تعالى؟ ، فقال: يا أبا سعيد أعرف إلى الله طريقين: طريقا خاصا وطريقا عاما، فأما الطريق العام: فالذي أنت عليه، وأما الطريق الخاص: فهلم، ثم مشى على الماء حتى غاب عن أعيننا، فبقي أبو سعيد حيران مما رأى.
[ ص: 542 ]
وقال : جئت مسجد الشونيزية فرأيت فيه جماعة من الفقراء يتكلمون في الآيات، فقال فقير منهم: أعرف رجلا لو قال لهذه الأسطوانة: كوني ذهبا نصفك، ونصفك فضة كانت. قال الجنيد : فنظرت فإذا الأسطوانة نصفها ذهب ونصفها فضة. الجنيد
وقيل: حج مع سفيان الثوري شيبان الراعي فعرض لهم سبع، فقال سفيان لشيبان : أما ترى هذا السبع؟ فقال: لا تخف، فأخذ شيبان أذنه فعركها فبصبص وحرك ذنبه، فقال سفيان ما هذه الشهرة؟ فقال: لولا مخافة الشهرة لما وضعت زادي إلا على ظهره حتى آتي مكة .
وحكي أن لما ترك التجارة كانت أخته تنفق عليه من ثمن غزلها، فأبطأت يوما، فقال له السري : لم أبطأت؟ فقالت: لأن غزلي لم يشتر وذكروا أنه مخلط، فامتنع السري عن طعامها، ثم إن أخته دخلت عليه يوما فرأت عجوزا تكنس بيته، وتحمل كل يوم إليه رغيفين، فحزنت أخته، وشكت إلى السري فقال أحمد بن حنبل : أحمد بن حنبل فيه، فقال: لما امتنعت من أكل طعامها قيض الله لي الدنيا لتنفق علي وتخدمني. للسري