الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أخبرنا محمد بن عبد الله الصوفي قال: حدثنا عبد الواحد بن بكر الورثاني قال: سمعت محمد بن داود يقول: سمعت أبا بكر بن معمر يقول: سمعت ابن أبي عبيد البسري يحدث عن أبيه، أنه غزا سنة من السنين، فخرج في السرية فمات المهر الذي كان تحته وهو في السرية، فقال: يا رب أعرناه حتى نرجع إلى بسرى -يعني قريته- فإذا المهر قائم، فلما غزا، ورجع إلى بسرى قال: يا بني خذ السرج عن المهر، فقلت: إنه عرق، فإن أخذت السرج داخله الريح، فقال: يا بني إنه عارية. قال: فلما أخذت السرج وقع المهر ميتا.

وقيل: كان بعضهم نباشا فتوفيت امرأة فصلى الناس عليها، وصلى هذا النباش ليعرف القبر، فلما جن عليه الليل نبش قبرها فقالت: سبحان الله رجل مغفور له يأخذ كفن امرأة مغفور لها. قال: هبي أنك مغفور لك، فأنا من أين؟ فقالت: إن الله -تعالى- غفر لي ولجميع من صلى علي، وأنت قد صليت علي، فتركتها ورددت التراب عليها، ثم تاب الرجل وحسنت توبته.

سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا الحسن إسماعيل بن عمرو بن كامل بمصر يقول: سمعت أبا محمد نعمان بن موسى الحيري بالحيرة يقول: رأيت ذا النون المصري وقد تقاتل اثنان أحدهما من أولياء السلطان، والآخر من الرعية، فعدا الذي من الرعية عليه، فكسر ثنيته فتعلق الجندي بالرجل، وقال: بيني وبينك الأمير، فجاوزوا بذي النون ، فقال لهم الناس: اصعدوا إلى الشيخ، فصعدوا إليه فعرفوه ما جرى فأخذ السن، ثم بلها بريقه وردها إلى فم الرجل في الموضع الذي كانت فيه وحرك شفتيه فتعلقت بإذن الله -تعالى- فبقي الرجل يفتش فاه فلم يجد الأسنان إلا سواء.

[ ص: 557 ]

حدثنا أبو الحسين محمد بن الحسين القطان ببغداد

قال: حدثنا أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار قال: حدثنا الحسين بن عرفة بن يزيد قال: حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن فلما كان في بعض الطريق نفق حماره، فقام فتوضأ، ثم صلى ركعتين، ثم قال: اللهم إني جئت مجاهدا في سبيلك ابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، لا تجعل لأحد علي منة اليوم، أطلب منك أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه.

سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا بكر النابلسي يقول: سمعت أبا بكر الهمداني يقول: بقيت في برية الحجاز أياما لم آكل شيئا، فاشتهيت باقلا حارا وخبزا من باب الطاق، فقلت: أنا في البرية وبيني وبين العراق مسافة بعيدة، فلم أتم خاطري إلا وأعرابي من بعيد ينادي: باقلا حار وخبز، فتقدمت إليه فقلت: عندك باقلا حار وخبز؟ فقال: نعم، وبسط مئزرا كان عليه وأخرج خبزا وباقلا، وقال لي: كل فأكلت، ثم قال لي: كل فأكلت، ثم قال لي: كل فأكلت، فلما قال في الرابعة قلت: بحق الذي بعثك إلي إلا ما قلت لي من أنت؟ فقال: الخضر ، وغاب عني فلم أره.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا العباس بن الخشاب البغدادي يقول: سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول: سمعت أبا جعفر الحداد يقول: جئت الثعلبية وهي خراب، ولي سبعة أيام لم آكل شيئا، فدخلت القبة، وجاء قوم خراسانيون أصابهم جهد، فطرحوا أنفسهم على باب القبة، فجاء أعرابي على راحلة وصب تمرا بين أيديهم، فاشتغلوا بالأكل ولم يقولوا لي شيئا، ولم يرني الأعرابي، فلما كان بعد ساعة فإذا بالأعرابي جاء وقال لهم: معكم غيركم؟ فقالوا: نعم، هذا الرجل داخل القبة. قال: فدخل الأعرابي وقال لي: إيش أنت؟ لم لم تتكلم؟ مضيت، فعارضني إنسان، فقال لي: قد خلفت إنسانا لم تطعمه، ولم يمكني أن أمضي، وتطولت علي الطريق؛ لأني رجعت عن أميال، وصب بين يدي التمر الكثير ومضى، فدعوتهم فأكلوا وأكلت.

سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا طاهر الرقي يقول: سمعت أحمد بن عطاء يقول: كلمني جمل في طريق مكة رأيت جمالا والمحامل عليها، وقد مدت أعناقها في الليل فقلت: سبحان من يحمل عنها ما هي فيه، فالتفت إلي جمل وقال لي قل: جل الله، فقلت: جل الله. [ ص: 558 ]

سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول: سمعت الحسن بن أحمد الفارسي يقول: سمعت الرقي يقول: سمعت أبا بكر بن معمر يقول: سمعت أبا زرعة الجنبي يقول: مكرت بي امرأة فقالت: ألا تدخل الدار فتعود مريضا، فدخلت فأغلقت الباب ولم أر أحدا، فعلمت ما فعلت، فقلت: اللهم سودها، فاسودت فتحيرت، وفتحت الباب؛ فخرجت، فقلت: اللهم ردها إلى حالها فردها على ما كانت.

سمعت حمزة بن يوسف يقول: سمعت أبا محمد الغطريفي يقول: سمعت السراج يقول: سمعت أبا سليمان الرومي يقول: سمعت خليلا الصياد يقول: غاب عني ابني محمد، فوجدنا عليه وجدا شديدا، فأتيت معروفا الكرخي، فقلت: يا أبا محفوظ غاب ابني وأمه واجدة، فقال: ما تشاء؟ فقلت: ادع الله أن يرده، فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك، ائت بمحمد. قال خليل: فأتيت باب الشام فإذا هو واقف، فقلت: يا محمد فقال: يا أبت كنت الساعة بالأنبار.

قال الأستاذ: واعلم أن الحكايات في هذا الباب تربو على الحصر، والزيادة على ما ذكرناه تخرجنا عن المقصود من الإيجاز، وفيما ذكرناه مقنع في هذا الباب.

[ ص: 559 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية