الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى قال: سمعت عبد الواحد بن [ ص: 27 ] بكر يقول: سمعت هلال بن أحمد يقول: سئل أبو علي الروذباري عن التوحيد فقال: التوحيد استقامة القلب بإثبات مفارقة التعطيل وإنكار التشبيه والتوحيد في كلمة واحدة : كل ما صوره الأوهام والأفكار فالله سبحانه بخلافه  لقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .

وقال أبو القاسم النصراباذي: الجنة باقية بإبقائه، وذكره لك ورحمته ومحبته لك باق ببقائه، فشتان بين ما هو باق ببقائه، وبين ما هو باق بإبقائه، وهذا الذي قاله الشيخ أبو القاسم النصراباذي هو غاية التحقيق، فإن أهل الحق قالوا: صفات ذات القديم سبحانه باقيات ببقائه تعالى، فنبه على هذه المسألة وبين أن الباقي باق ببقائه بخلاف ما قاله مخالفو أهل الحق فخالفوا الحق.

أخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت النصراباذي يقول: أنت متردد بين صفات الفعل وصفات الذات وكلاهما صفته تعالى على الحقيقة، فإذا هيمك في مقام التفرقة قرنك بصفات فعله، وإذا بلغت إلى مقام الجمع قرنك بصفات ذاته.

وأبو القاسم النصراباذي كان شيخ وقته.

سمعت الأستاذ الإمام أبا إسحاق الإسفرايني رحمه الله يقول: لما قدمت من بغداد كنت أدرس في جامع نيسابور مسألة الروح وأشرح القول في أنها مخلوقة، وكان أبو القاسم النصراباذي قاعدا متباعدا عنا يصغي إلى كلامي فاجتاز بنا بعد ذلك يوما بأيام قلائل، فقال: لمحمد الفراء: أشهد أني أسلمت جديدا على يد هذا الرجل، وأشار إلي.

سمعت محمد بن الحسين السلمي يقول: سمعت أبا حسين الفارسي يقول: سمعت إبراهيم بن فاتك يقول: سمعت الجنيد يقول: متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له [ ص: 28 ] شبيه ونظير ؟! هيهات ، هذا ظن عجب إلا بما لطف اللطيف من حيث لا دراك ولا وهم ولا إحاطة إلا إشارة اليقين وتحقيق الإيمان.

وأخبرنا محمد بن الحسين رحمه الله تعالى قال: سمعت عبد الواحد بن بكر يقول: حدثني أحمد بن محمد بن علي البردعي قال: حدثنا طاهر بن إسماعيل الرازي قال: قيل ليحيى بن معاذ: أخبرني عن الله عز وجل فقال: الله واحد.

فقيل له: كيف هو؟ فقال: ملك قادر.

فقيل: أين هو؟ فقال: هو بالمرصاد.

فقال السائل: لم أسألك عن هذا؟

فقال: ما كان غير هذا كان صفة المخلوق، فأما صفته فما أخبرتك عنه.

وأخبرنا محمد بن الحسين قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا علي الروذباري يقول: كل ما توهمه متوهم بالجهل أنه كذلك فالعقل يدل على أنه بخلافه.

وسأل ابن شاهين الجنيد عن معنى مع ، فقال: مع على معنيين: مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة ، قال الله تعالى: إنني معكما أسمع وأرى ومع العامة بالعلم والإحاطة؛ قال الله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم فقال ابن شاهين: مثلك يصلح أن يكون دالا للأمة على الله.

وسئل ذو النون المصري عن قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى   [ ص: 29 ] فقال: أثبت ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته، والأشياء موجودة بحكمه كما شاء سبحانه.

وسئل الشبلي عن قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى فقال: الرحمن لم يزل والعرش محدث، والعرش بالرحمن استوى. وسئل جعفر بن نصير عن قوله تعالى: الرحمن على العرش استوى فقال: استوى علمه بكل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء.

وقال جعفر الصادق: من زعم أن الله في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك، إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصورا، ولو كان من شيء لكان محدثا.

وقال جعفر الصادق أيضا في قوله: ثم دنا فتدلى من توهم أنه بنفسه دنا جعل ثم مسافة، إنما التداني أنه كلما قرب منه بعده عن أنواع المعارف؛ إذ لا دنو ولا بعد.

ورأيت بخط الأستاذ أبي علي أنه قيل لصوفي أين الله؟ فقال: أسحقك الله! تطلب مع العين أين؟ أخبرنا الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا العباس بن الخشاب البغدادي يقول: سمعت أبا القاسم بن موسى يقول: سمعت محمد بن أحمد يقول: سمعت الأنصاري يقول: سمعت الخراز يقول: حقيقة القرب فقد حس الأشياء من القلب وهدوء الضمير إلى الله تعالى.

سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت محمد بن علي الحافظ يقول: سمعت أبا معاذ [ ص: 30 ] القزويني يقول: سمعت أبا علي الدلال يقول: سمعت أبا عبد الله بن قهرمان يقول: سمعت إبراهيم الخواص يقول: انتهيت إلى رجل وقد صرعه الشيطان، فجعلت أؤذن في أذنه فناداني الشيطان من جوفه دعني أقتله؛ فإنه يقول: القرآن مخلوق.  

وقال ابن عطاء: إن الله تعالى لما خلق الأحرف جعلها سرا له فلما خلق آدم عليه السلام بث فيه ذلك السر ، ولم يبث ذلك السر في أحد من ملائكته، فجرت الأحرف على لسان آدم عليه السلام بفنون الجريان وفنون اللغات، فجعلها الله صورا لها صرح ابن عطاء القول بأن الحروف مخلوقة.  

وقال سهل بن عبد الله: إن الحرف لسان فعل لا لسان ذات، لأنها فعل في مفعول.

قال: وهذا أيضا تصريح بأن الحروف مخلوقة.

التالي السابق


الخدمات العلمية